مسجد الحسن الثاني تحفة فنية رائعة من المعمار المغربي الأندلسي
مسجد الحسن الثاني
بقلم : الكاتبة المغربية دكتورة أمينة المهدي
الأحد الموافق ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - ٩:٢٥ PM
مسجد الحسن الثاني معلمة إسلامية ومجمع ديني بمدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية بالمملكة المغربية، يقع على الساحل الأطلسي. بني بسواعد المغاربية من مهندسين وحرفيين تقليديين وعمال من تصميم المهندس المعماري الفرنسي "ميشيل بينسو" -الذي استقدمه الملك إلى المغرب للعمل على تصميم عدد من القصور الملكية والمباني الإدارية في البلاد ومناطق جديدة بالمدن الكبرى
وتحت الاشراف الشخصي للملك الحسن الثاني وسمي هذا الصرح الديني باسمه وصمم إحدى قبابه التي استعملت لأول مرة في المساجد المغربية.
كما ساهم المغاربة في تشييده عبر اكتتاب وطني عام ولو بدرهم كصدقة جارية فتسارع المغاربة من كل الاعمار والاطياف لتلبية النداء أطفالا ورجل ونساء وشيوخ كل بما قسّم الله، وقدم الملك هبة مالية شخصية بلغت 4 ملايين درهم (نحو 400 ألف دولار) ناهك عن متطوعين خارج المغرب. واستغرق بناؤه ست سنوات.
واستلهم بناءه عند توليه الحكم بعد وفاة والده محمد الخامس وزيارته الدار البيضاء سنة1961، فوعد بان يهب المدينة مبنى تستطيع الافتخار به وبهندسته المعمارية مستوحاة من الغنى الثقافي لفن البناء الذي عرف به المغرب على مر القرون. وفي 11 يوليو/تموز 1986 أعلن انطلاق المشروع بوضع الحسن الثاني للحجر الأساس وبحضور العلماء وطلبة الكتاتيب القرآنية وبعض رجالات المغرب.
يتميز المسجد عن باقي المساجد بفن العمارة الهندسية والجمالية والتقدم التقني الحديث، ويتفرد من بين العمران المغربي بضخامته، حيث يتسع لـ 25 ألف مصل بالإضافة إلى 80 ألفا آخرين في الساحة الخارجية؛ وموقعه الذي نصفه على الماء على المحيط الاطلسي والنصف الاخر فوق اليابسة؛ وتصميمه، فمئذنته مرتفعة جدا وذات طابع معمار مغربي أندلسي عريق وهي من أعلى المعالم الدينية في العالم
و مزودة بمنارة؛ وتصميمه يجمع عدة مرافق وملحقات فهو مجمع ثقافي متكامل يحقق لا محالة تنمية معمارية واشعاعا فكريا ودينيا وروحيا وثقافيا مثل جامع القرويين بفاس او صومعة حسان بالرباط وجامع الكتبية بمراكش. لقد اعتمد المهندس في تصميمه على ثلاث مصادر استلهم منها تحفته المعمارية:
جامع الكتبية في مراكش، والجزء القديم من مسجد حسان في الرباط، والجامع الكبير في إشبيلية. وأضيف لهذه المرافق متحف يضم منشآت الصناعات التقليدية المعتمدة في بناء المسجد والمصنفة ضمن لائحة التراث الوطني، للحفاظ عليه من الضياع، وأكاديمية الفنون التقليدية التي بنيت عام 2012،ط ومكتبة وسائطية التي دشنها الملك محمد السادس عام 2010 فيها فهرس إلكتروني، يشمل رصيدا وثائقيا بلغات مختلفة.
شيد هذا المسجد من جهة اليابسة بمدخل له أبواب مزركشة وأقواس منقوشة تدل على عراقة وتاريخ المغرب والثاني وسط البحر. وكانت من أكبر التحديات وقتها استخدام مواد شديدة المقاومة، تكفل متانة البناء وثباته فوق الأمواج.
واحتاجت زخرفة المسجد الرخام والغرانيت والزليج وغيره وكذا الخشب المنحوت للسقف المتحرك المغطى، و300 ثريا نحاسية، وجميع مواد البناء محلية باستثناء الأعمدة المصنوعة من الغرانيت الأبيض وثريا زجاجية الإيطالية.
ودشن هذه التحفة الفنية والتي تعد من أروع المباني الدينية في العالم بتزامن مع احتفالات ذكرى المولد النبوي سنة 1993 وحضره عدد من قادة ورؤساء البلدان الإسلامية، فكان حدثا عظيما تابعه أكثر من 800 مراسل اذاعي او تلفزي من مختلف بقاع العالم.
مسجد الحسن الثاني هو تحفة فنية رائعة من خليط من المعمار المغربية التقليدي والتقنيات الحديثة والمعاصرة، ويعتبر رمزا فكريا وروحيا لمدينة الدار البيضاء والمغرب كله ومعلمة دينية وسياحية في الوقت ذاته.