التماثيل وإرتباطها بالخلود والأبدية
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
دراسة أثرية للباحثة الآثارية مي شريف العناني مفتشة آثار بالدقهلية، باحثة دكتوراه فى الآثار المصرية القديمة ترصد الغرض الرئيسي من نحت التماثيل فى مصر القديمة وهي تحقيق الخلود والأبدية
تشير الباحثة الآثارية مي شريف العناني إلى أن الفن المصرى القديم هو فن رفيع المستوى يمتاز بالجمال والحيوية فالتماثيل سواء الملكية أو تماثيل الأفراد التي تم نحتها تكاد تنطق من شدة إتقانها، فهي مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بالخلود والأبدية
لذا برع الفنان المصري القديم في إتقانها
حيث أن الحفاظ على شكل المتوفي يساعده على البعث والحياة في العالم الآخر، لذا لجأ المصري القديم إلى التحنيط للحفاظ على الجسد لتحقيق البعث والخلود في العالم الآخر، كما لجأ لنحت التماثيل بنفس ملامح أصحابها لتحقيق نفس الغرض السابق ذكره.
صُنعت التماثيل من الطين المحروق والخشب، والعاج، والحجر، وكانت في أوضاع مختلفة كالوقوف والسجود والجلوس والركوع والتربع، وكانت جميعها تمتاز بالجمال والحيوية.
فإذا تأملنا تمثال رع حتب وزوجته نفرت المعروض بالمتحف المصري بالقاهرة سنلاحظ جمال ودقة التفاصيل لدرجة تجعلك تشعر وكأنها تماثيل حقيقية، فعند إكتشافها هرع عمال الحفائر منها حيث تبدو كأنها حقيقية، حيث برع الفنان المصري القديم في تطعيم العيون بالأحجار لكي تبدو كأنها عيون حقيقية، كما برع أيضًا في إظهار تفاصيل الجسد من حيث اللون والتفاصيل، فيلاحظ أن جسد رع حتب لُون باللون البني مع إظهار تفاصيل عضلات الجسد وارتداء النقبة القصيرة (الشنديت)، وإظهار تمثال زوجته في غاية الجمال والروعة سواء من حيث الثوب التي ترتديه أو باروكة الشعر أو تطعيم العيون بالأحجار.
وتنوه الباحثة الآثارية مي شريف العناني إلى أن الفنان المصري القديم استطاع وبقوة نحت التماثيل من أحجار يصعُب نحتها، وأفضل مثال على ذلك هو تمثال الملك خع إف رع (خفرع)، المحفوظ بالمتحف المصري، والمُصور على العملة الورقية فئة العشرة جنيهات فقد نُحت من حجر الديوريت، وهي حجر يمتاز بصلادته ويصعب نحته، فكيف استطاع المصري القديم نحت تلك التماثيل من تلك الأحجار الصعبة، بل استطاع أيضًا نحت التماثيل وتشييد معابد كاملة منحوتة في الصخر مثل معبد أبو سمبل في أسوان.
بالإضافة إلى أن التماثيل كانت تصور لنا حياة المصري القديم اليومية، والأعمال التي كان يقوم بها، ومثال على ذلك تماثيل الأسرة والتي كانت تنقل لنا مدى الترابط الأسري في مصر القديمة، حيث كانت تصور الزوج والزوجة والأبناء في مشهد رائع، وكأنهم يريدوا إستمرار هذا الترابط إلى الأبد، كما أن الغرض من نحت تمثال رع حتب ونفرت هو تمني إستمرار هذا الترابط والحب بينهما إلى الأبد، بالإضافة إلى أن الغرض من نحت تمثال الكاتب المصري هو تمنى استمرار العلم إلى الأبد
لأن بالعلم تتقدم الأمم.
وكانت تسيطر على المصري القديم دائمًا فكرة الدين حتى في أعماله الفنية، ومن هنا استطاع أن يجمع بين هدفين في آن واحد وهما جمال منحوتاته الفنية واعتقاداته الدينية، إنها حقًا الحضارة المصرية القديمة.