قضية صعود الدولار وغلاء الأسعار
بقلم : علاء الدين عبد الرحمن
أحبائي فى الله إن قضية صعود الدولار وغلاء الأسعار، هي قضية اشتعلت بها مجالس الناس في هذه الأيام، فلا تكاد تدخل على مجلس من مجالس الناس اليوم إلا رأيتَ حديثهم عن هذه القضية، هذه القضية سيطرت على عقولهم، واستحوذت على اهتمامهم، وملأت نفوسهم همًّا وغمًّا، لذلك رأيتُ لزامًا عليَّ اليوم أن أقف مع هذه القضية وقفات مهمة ينبغي لكل مسلم أن ينتبه إليها.
الوقفة الأولى: ما نزل بلاء إلا بذنب ولن يرفع إلا بتوبة:
لا بد على كل واحد منا أن يكون على يقين أن قضية صعود الدولار وارتفاع الأسعار، ما هي إلا صورة من صور البلاء والمصيبة على الناس في أموالهم ومعيشتهم، وهذا ما أخبرنا به ربنا جل جلاله في كتابه العزيز، فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]؛ يعني ما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم، فإنما يصيبكم ذلك عقوبةً من الله لكم بما اكتسبتموه من ذنوب، وما اقترفتموه من خطايا، ثم يختم الآية فيقول: ((وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))، ما معنى ويعفو عن كثير؟ يعني ربنا جل جلاله عفا عن كثير من ذنوبنا وإجرامنا، فلم يعاقبنا عليها، وإنما هذه المصائب والابتلاءات بسبب القليل منها، فإذا كانت هذه المصائب بسبب القليل من ذنوبنا، فكيف سيكون حالنا لو عاقبنا الله على جميع ذنوبنا ومعاصينا؟[1].
فالذنوب والمعاصي هي سبب المصائب والابتلاءات التي نزلت بنا اليوم.
انظروا إلى مجتمعنا اليوم، أليس فينا من لا يصلي صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟ أليس فينا من لا يصلي الصلوات الخمس؟ أليس فينا من لا يعرف طريق المسجد إلا في الجمعة والمناسبات وشهود الجنائز؟ أليس فينا عاق لوالديه وقاطع لرحمه؟
فالذنوب والمعاصي هي سبب صعود الدولار وارتفاع الأسعار اليوم.
في ستينيات القرن الماضي حدث في الهند غلاء شديدة في الأسعار، وكان في الهند الشيخ العلامة الداعية (محمد يوسف الكاندهلوي)، من علماء الدعوة والتبليغ فى الهند، وصاحب كتاب (حياة الصحابة) المشهور، وكان هذا الشيخ (رحمه الله) مشهورًا بزهده وورعه وصلاحه، فذهب الناس إليه واشتكوا ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش، فقال لهم: الناس والأشياء عند الله مثل كفتي الميزان، فإذا ارتفعت قيمة الإنسان عند الله بالإيمان والأعمال الصالحة، قلَّت قيمة الأشياء، وإذا قلت قيمة الإنسان عند الله بسبب الذنوب والمعاصي، ارتفعت قيمة الأشياء، وزادت الأسعار وعم الغلاء، فعليكم بجهد الإيمان الأعمال الصالحة، حتى ترتفع قيمتكم عند الله، وتقل الأسعار، والله سبحانه وتعالىبيَّن ذلك فقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): ((لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ))[2].
هذا إبراهيم بن أدهم (رحمه الله) قيل له: غَلَت الأسعار، فقال لهم: والله ما يهمني لو كانت حبة القمح بدينار، عليَّ أن أعبده كما أمر، وعليه أن يرزقني كما وعدني؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
فإذا كان المسلم عنده هذه الضمانات من ربه، فمم يخاف وهو يعلم أن الله رازق الطير في أوكارها، والسباع في فلواتها، والأسماك في البحار، والديدان في الصخور؛ لذلك يقول أمامنا الشافعي
(رحمه الله):
عَليكَ بِتقوى اللهِ إن كُنتَ غافِلًا
يأتيكَ بالأرزاقِ مِن حَيثُ لا تَدري
فَكيفَ تَخافُ الفَقرَ والله رازقًا
فَقَدْ رَزَقَ الطَّيرَ والحوتَ في البَحر
ومَن ظَنَّ أن الرِّزقَ يأتي بِقوةٍ
لما أكلَ العُصفورُ شيئا مع النَّسر .
وهذا سيدنا سلمة بن دينار (رحمه الله) اجتمع الناس إليه يسألونه، فقالوا له: يَا أَبَا حَازِمٍ، أَمَا تَرَى قَدْ غَلَا السِّعْرُ، فَقَالَ: (وَمَا يَغُمُّكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ الَّذِي يَرْزُقُنَا فِي الرُّخْصِ هُوَ الَّذِي يَرْزُقُنَا فِي الْغَلَاءِ) [4].
ليكن عندنا إيمان كإيمان تلك المرأة التي خرج زوجها للجهاد في سبيل الله تعالى، فجاءها المثبطون يثيرون مخاوفها على رزقها ورزق عيالها إذا ذهب زوجها إلى الجهاد، فربما يموت وعندك أطفال صغار فمن يعيلهم، ومن يطعهم إذا مات، فتجيبهم بكل ثقة واطمئنان ويقين: زوجي عرفته أكالًا ولم أعرفه رزَّاقًا، فإن ذهب الأكَّال فقد بقي الرزاق!
إنها الثقة بالله، إنها الثقة بالرزاق ذو القوة المتين، إنها قوة الإيمان وقوة التوكل على الله، فأين نحن من هذا الايمان وهذه الثقة؟!
فالرزاق حي لا يموت، أنت فقط اخرُج إلى عملك، واسعَ في هذه الأرض، واترُك الباقي على الله تعالى، فهو الذي تكفَّل برزقك، وقال: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
