recent
أخبار ساخنة

الأول ليس دائمًا الأفضل

الصفحة الرئيسية

 الأول ليس دائمًا الأفضل






الأول ليس دائمًا الأفضل

         بقلم : ندى سمير 


لطالما ارتبط مسمى التميز لدى مجتمعاتنا العربية بملأ المقاعد الأولى دائمًا، الحصول على المركز الأول في الصف، في المسابقات، في وسيلة النقل، نهرع دائمًا بحثًا عن الصفوف الأولى لنكون في أعين من حولنا "الأفضل" لم ينتهِ الأمر عند ذلك، بل انتقلت العدوى إلى رغبتنا أن نكون أول من يتزوج في العائلة، أول من يعمل بالطب، وأول من يسافر للعمل بالخارج، وشئت أم أبيت ستدخل في منافسة لم تخترها، ستقارن مواقيتك دائمًا بمواقيت الآخرين، سيبحثون دائمًا عن أي فرصة لتشغل فيها المقعد الأول لتحمل شارة التميز.



وبكل أسف إنما هذه أكذوبةُ كبرى، الأول لم يكن دائمًا الأفضل، قد يكون أحيانًا الأسوأ، ربما تكون أول من جمع محصوله لكنه كان لاذعًا لم ينضج بعد، بينما الأخير حصل على طعم المحصول المثالي وباعه كله، العبرة ليست بمن يلحق أولًا بل بمن يجيء في موعده المناسب تمامًا، بمن يحقق الإنجاز في الوقت الذي يصبح قادرًا على حمل تابعياته، ربما من تزوج أولًا لم يدرس شريك حياته بعناية وزادت بينهما الخلافات وانتهى به الأمر للطلاق، وآخر من تزوج الذي حمل وصمة العنوسة على عاتقه قد حصل على توأم الروح المثالي الذي لطالما حلم به.



الأسبقية لا تعني النجاح أو الكفاءة، فمن لم تسعه المراكز الأولى لا يشكك في إبداعه ومنطقه، علينا أن نرحب بالسابق المستحق وليس السابق السريع، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من نزل عليه الوحي من النبيين، لكنه كان له عند الله مقامًا عظيما وكرمه تكريمًا لا يسعنا إدراكه وزاده فضله لا يمكننا إحصاؤه.



هناك حكمة تقول الأشياء الشهيّة تطهى على نارٍ هادئة فإن من يقدم على عملٍ بنارٍ حامية وعجلة آنية فقط ليحصّل لقب "الأول" ليس عليه أن يعجب إن فسد عمله شر فساد.


وفي عالمنا هذا حيث شح الصدق والمصداقية لا يقترن لقب الأول بأول من قام بالفعل فعلًا، فأول من فكر الطيران "عباس بن فرناس" ودون في المواثيق العالمية أنهما الأخوان رايت، وكم من أوائل غائبون عن التاريخ من يدري اسم أول من ذاق السم وعلم بأنه قاتل، لكن عمره انقضى قبل أن يخبر أحدًا؟ هناك الكثير من حافلات شاغرة لهؤلاء الأوائل لكن أماكنهم حجزت لآخرين لم يكونوا حقًا أول فائزًا بها، لذا ربما من قيل الأول اليوم سارق محترف تمكن من التحايل لأخذ تذكرة صاحبها

أو ربما هو غشاش اختلس مجهود الآخرين، أو ذو سلطة أرغم الكتبة على كتابه اسمه في أعلى القائمة وقبل الجميع، المقعد الأول ليس نزيهًا دائمًا ولا يعطى كثيرًا لمن وضع لأجله، لذا لنحترم المراكز الأخرى ولنتب عن عملقة وتقديس ذلك الأول الأرقام الأخرى ليست بهذا السوء ومحملة بالمبدعين والفطاحلة، فقط لو نعطيهم قليلًا من الاهتمام والوعي بقدرهم ومحاولاتهم.


ولنعلم أن "الأفضل" قد يأتي في أي مكان وأي ميعاد وليس حكرًا على "الأول".

google-playkhamsatmostaqltradentX