هل أصبح البحث عن الفضائح وتتبُّع عورات الآخرين، ونشر الكذب والشائعات مصدرًا من مصادر الرزق؟
الكارثة الأخلاقية
بقلم : الكاتب عماد الدين محمد
قال رسول الله ﷺ :
"من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته"
" ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
" أنفك في وجهك أجمل بكثير"
من منطلق ما سبق لا أعلم السر وراء بحث وتداول وتدخل الكثيرون في حياة غيرهم على جميع المستويات.
لقد أصبح هذا السلوك مرضًا اجتماعيًا مستفحلًا، تمارسه فئة فقدت بوصلتها الأخلاقية قبل أن تفقد رشدها، فصارت تتغذى على تتبع العورات، وتستمتع بنشر الفضائح، وبث الرعب، وترويج الشائعات والأكاذيب.
الغريب أن كثيرين ممن يمارسون هذا الدور لا يرون في أنفسهم خطأ، بل يتسترون خلف شعارات زائفة مرة بإسم الفضول ومرة بإسم النصيحة، وأحيانًا تحت لافتة حرية التعبير، بينما الحقيقة أنهم يمارسون اغتيالًا معنويًا بدمٍ بارد، ويهدمون سمعة إنسان دون بينة أو وعي بعواقب ما يفعلون.
لقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي عند البعض إلى محاكم تفتيش، يُصدرون فيها الأحكام، ويوزعون الاتهامات، ويتداولون الأخبار بلا تحقق، وكأن الكلمة لم تعد أمانة، ولا السمعة حرمة، ولا البيوت أسرارًا يجب صونها. فكلما سقط أحدهم، تسابقوا على التقاط السقوط ونشره، لا بدافع الإصلاح، بل بدافع الشماتة أو تحقيق حضور زائف على حساب آلام الآخرين.
وما يغيب عن هؤلاء أن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، وأن من يزرع الخوف في قلوب غيره سيحصد يومًا خوفًا مضاعفًا، وأن الأكاذيب وإن راجت مؤقتًا لا بد أن تنكشف، تاركة وراءها خرابًا أخلاقيًا يصعب ترميمه.
إن المجتمع الذي ينشغل أفراده بمراقبة بعضهم، بدل مراقبة أنفسهم، مجتمع محكوم عليه بالتآكل من الداخل.
فالإصلاح لا يكون بالفضيحة، والنصيحة لا تكون بالتشهير، والقيم لا تُبنى على أنقاض كرامة الآخرين.
لعلنا نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى
إلى إعادة تعريف معنى الإنسانية، وإحياء قيمة الستر، وتذكير أنفسنا بأن الانشغال بعيوبنا أولى من تتبع عيوب غيرنا، وأن الصمت أحيانًا أرقى من كلام يجرح ولا يُصلح.

