" ترميم الآثار بين الضرورة والمسؤولية "ندوة في اتحاد كتاب مصر
كتبت /منى منصور السيد
تحت رعاية الأستاذ الدكتور علاء عبدالهادي، الشاعر والناقد الأكاديمي، ونقيب الكتاب الحالي ورئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، والأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب (الذي انتخب بالإجماع لهذا المنصب عام 2019)، أقامت لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ندوتها الهامة تحت عنوان: (ترميم الآثار بين الضرورة والمسئولية)، بمشاركة نخبة من كبار المتخصصين والخبراء في مجال الترميم وإدارة التراث.
أدار الندوة وقدمها الكاتب والباحث عبدالله مهدي، رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة، الذي استهل كلمته بتهنئة خاصة للشعب المصري، قيادة وحكومة وشعبًا، بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، واصفًا إياه بـ "هدية مصر للإنسانية". أكد "مهدي" أن الوعي بالحضارة المصرية القديمة ليس "هروبًا من واقع انهزامي مؤلم، إلى ماضي تليد عريق"، بل هو "اجتهاد يستلهم مقومات حضارتنا المجيدة ومبادئها وقيمها لتوظيفها في خدمة حاضرنا، من أجل إبداع ثقافة حضارية جديدة، ترسي قواعد التقدم والازدهار لوطننا العزيز مصر". وشدد على أن هذا الوعي لن يتحقق إلا من خلال "مناهج تعليمية واعية، وإحداث صحوة ثقافية وإعلامية تتبناها مؤسسات الدولة المصرية"، مستعرضًا فقر المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، والحاجة الماسة لرؤية متكاملة لخلق وعي بمفردات حضارتنا.
تحدث بعد ذلك الأستاذ فاروق شرف، المدير العام للإدارة العامة لترميم الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية واستشاري الترميم، متناولاً فن الترميم الذي يُعد "من أسمى صور الجمع بين العلم والفن والضمير، فهو ليس عملاً تقنيًا فحسب، بل رسالة إنسانية هدفها إحياء التراث وصون هوية الأمة". أوضح "شرف" أن الترميم هو ضرورة علمية تمليها عوامل الزمن والطبيعة والإهمال، ويجب أن يكون مبنيًا على منهج علمي دقيق ومواد مدروسة. وفي المقابل، أكد أنه مسؤولية أخلاقية ووطنية، و"عهد شرفٍ بين المرمم والتراث الذي بين يديه"، مشيرًا إلى أن الترميم الحق هو "توازنٌ بين واجب الحفاظ وحرمة التغيير، وبين دافع الإنقاذ وأمانة الأصالة"، وأن كل أثر يُرمَّم هو "نبضة من روح الوطن".
وفي محاضرة علمية بعنوان "ترميم الآثار بين الضرورة والمسئولية"، تطرق الخبير الأستاذ الدكتور محمود الشنديدي، المدير العام السابق لهيئة صندوق إنقاذ آثار النوبة واستشاري إدارة التراث العالمي، إلى التوجهات الحديثة في مجال الترميم والصيانة. وأشار إلى التطورات الحادثة نتيجة استخدام "وسائل وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة"، ومنها تطبيقات النانو تكنولوجي، في دراسة وفحص مواد الآثار، والتوسع في تطبيق "منهجية الصيانة الوقائية". كما استعرض المحاضر أهم التحديات التي تواجه صيانة الآثار، ومنها: "الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وتأثيرات التغيرات المناخية، وتداعيات الصراعات المسلحة، والاتجار والبحث غير المشروع عن الآثار". وناقش إشكاليات صيانة الآثار وتأثير "مشروعات التطوير الذي لا يراعي أهمية الحفاظ على الآثار"، مؤكدًا على ضرورة مواكبة التطور الهائل في المجال وأهمية التعاون بين الجهات المسؤولة.
واختتمت الندوة بحديث الأستاذ الدكتور محمد غنيم، أستاذ الترميم ووكيل كلية فنون جميلة بجامعة المنيا لشؤون الدراسات العليا والبحوث، الذي ركز على ضرورة الترميم والحاجة إليه، انطلاقًا من "أهمية الآثار نفسها والقيمة (التاريخية - الوطنية - الجمالية - العلمية والمعرفية - الندرة - الرمزية - الاقتصادية)". وتحدث الدكتور غنيم عن "المخاطر والمهددات التي تتعرض لها الآثار"، مؤكدًا على أن "المسئولية المجتمعية" تقع في صميم عملية الحفاظ، وتتمثل في "الوعي والتوعية" بأهمية هذا الإرث الحضاري.
أكدت الندوة أن ترميم الآثار هو عمل متكامل يجمع بين الضرورة العلمية لحماية الكيان المادي للأثر، والمسؤولية الأخلاقية والوطنية لحماية هويتنا وتاريخنا، وأن هذا يتطلب وعيًا شاملاً وتضافرًا للجهود الرسمية والمجتمعية.
