حوار الأهرامات والعبقرية ـ المتحف المصري الكبير .. ميلاد صرح حضاري لا مثيل له
كتبت : منى منصور السيد
على بُعد خطوات من الأهرامات الخالدة، وعلى مشارف افتتاح أعظم إنجازات مصر الحديثة، المتحف المصري الكبير، يقف التاريخ ليصافح المستقبل. هذا الصرح ليس مجرد متحف، بل أيقونة حضارية عالمية متكاملة، تُجسد هوية مصر وعبقريتها الخالدة، وتروي حكاية الحضارة التي أنارت العالم.
وبقدر عظمة هذا الحدث التاريخي والثقافي، كان لابد من لقاء مع شخصية تُدرك قيمة هذا الإرث وتعمل على صونه وتعميقه. وفي هذا السياق، كان لقائي مع الكاتب والباحث الأستاذ عبدالله مهدي، رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وهي اللجنة الأولى من نوعها على المستوى النقابي. تحدثنا معه حول جوهر هذه الحضارة، وسر الاهتمام المتجدد بها، والدور المحوري للمتحف المصري الكبير.
سؤال: أهلاً بك أستاذ عبدالله، ونشكرك على تلبية دعوتنا في هذا التوقيت التاريخي. لنبدأ من الجذور.. بصفتكم رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة، كيف تُعرّفون الأهمية الحقيقية لهذه الحضارة، خاصة مع من يروّج لفكرة أن الحضارة الإغريقية هي أصل الحضارة الغربية؟
عبدالله مهدي: أهلاً بكم وبالسادة القرّاء. الحقيقة أن الحضارة المصرية القديمة هي أم الحضارات الإنسانية على الإطلاق. جميع الباحثين أكدوا أن بقية الحضارات جاءت بعد أن رفعت مصر شعلة الحضارة بآلاف السنين. نحن نتحدث عن الأصل المؤسس، لا عن الابنة أو الحفيدة. وللعلم، المستشرق الأمريكي جيمس هنري برستيد يقول إن عطاء مصر للحضارات هو عطاء لا ينضب، ودليل على عبقرية أصيلة. أما الادّعاء بتفوق الإغريق، فقد فنده الدكتور سليم حسن في موسوعته "مصر القديمة"، مؤكداً أن الإغريق مدينون لمصر في الفلسفة والبحث العلمي. مصر هي البداية، وهي المُلهمة.
سؤال: رغم مرور آلاف السنين، لا يزال "علم المصريات" في صدارة المجالات البحثية حول العالم. ما سر هذا الشغف المتجدد؟
عبدالله مهدي: الأمر طبيعي تماماً. الحضارة المصرية لم تكشف للعالم إلا جزءاً يسيراً من كنوزها. كل يوم يظهر كشف جديد يغير التصورات، ويعيد طرح الأسئلة. هذه حضارة لا تتحدث عن الماضي فقط، بل عن الأزل والأبد.
سؤال: يقال إن الاهتمام بالحضارة المصرية نوع من الهروب إلى الماضي أو "التعلق بالفردوس المفقود". كيف تردون؟
عبدالله مهدي: هذا تصور خاطئ تماماً. نحن لا نُؤرّخ للحسرة، بل نبحث عن القوانين التي صنعت النهضة كي نُعيد توظيفها في مشروع حضاري جديد. التاريخ بالنسبة لنا مصباح للمستقبل، لا سردًا للعاطفة.
سؤال: نصل إلى الحدث الأبرز.. المتحف المصري الكبير. كيف وُلدت الفكرة، وكيف تحولت إلى مشروع بهذا الحجم؟
عبدالله مهدي: انطلقت الفكرة من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في تسعينيات القرن الماضي. اختار موقعاً استراتيجياً يطل على الأهرامات، ووُضع حجر الأساس عام 2002. وفي 2005 بدأ التنفيذ، ومع عام 2021 اكتمل البناء. نحن أمام حلم استغرق عقوداً.. وأصبح واقعاً عظيماً.
سؤال: ما أهم مميزات هذا المتحف الفريد على مستوى العالم؟
عبدالله مهدي: هو أكبر متحف في العالم مخصَّص لحضارة واحدة. مقام على نحو نصف مليون متر مربع، ويضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية. سيعرض كامل مقتنيات الملك توت عنخ آمون لأول مرة، إلى جانب تحف نادرة مثل مجموعة الملكة حتب حرس ومراكب الملك خوفو. وهو ليس أثريًا فقط، بل صرح ثقافي اجتماعي متكامل يضم متحفاً للأطفال، مركزاً تعليمياً، وقاعات للمؤتمرات والفعاليات.
سؤال: هل طريقة العرض داخله تختلف عن المتاحف التقليدية؟
عبدالله مهدي: جذرياً. هو رحلة بصرية وروحية تبدأ من المسلة المعلقة عند المدخل، مروراً بتمثال رمسيس الثاني، وصعوداً إلى الدرج العظيم الذي ينتهي بمشهد بانورامي للأهرامات. العرض قائم على الفكر المصري القديم وقصته الفلسفية والروحية، لا مجرد عرض قطع أثرية.
سؤال أخير: ماذا تقولون للعالم العربي مع هذا الافتتاح التاريخي؟
عبدالله مهدي: هذا الحدث ليس لمصر وحدها، بل لكل إنسان يؤمن بأن الحضارة نورٌ لا ينطفئ. أدعو الجميع للفخر والمشاركة. المتحف المصري الكبير هو إعلان حي بأننا أبناء حضارة حيّة لا تموت.
وفي الختام، توجهتُ بالشكر للأستاذ عبدالله مهدي على هذا الحوار الملهم، الذي يؤكد أن الهوية الحضارية ليست ذكرى.. بل مشروع مستقبلي واعٍ وباقٍ.
