بين الوعود البراقة الزائفة والحقيقة الدستورية: كيف يُميِّز الناخب الواعي؟
كتب:محمود فوزي
مع اقتراب أي استحقاق انتخابي تزدحم الساحة بالمرشحين الذين يتنافسون على كسب ثقة الناخبين عبر تقديم سيول من الوعود. وبينما تلامس بعض هذه الوعود احتياجات المواطنين الأساسية، يقع البعض الآخر في فخ "الوعود الزائفة" التي تتجاوز صلاحيات ومسؤوليات المنصب المُتنافس عليه، وهو عضو مجلس النواب.
إن واجب الناخب الواعي ليس فقط اختيار الشخص، بل فهم حدود سلطة وصلاحيات هذا المنصب الدستوري.
فالمقعد البرلماني ليس "شيكاً على بياض" لتلبية كل المطالب المحلية، بل هو أداة تشريعية ورقابية محددة بصرامة ضمن نصوص الدستور والقانون.
ما هي الحقيقة الدستورية لصلاحيات عضو مجلس النواب؟
يُركز الدور الحقيقي لعضو مجلس النواب على ثلاث وظائف أساسية تتعلق بالدولة ككل، وليس بالخدمات التنفيذية المحلية المباشرة:
التشريع (سن القوانين): وهي الوظيفة الأهم، حيث يشارك العضو في مناقشة وإقرار وتعديل القوانين والتشريعات التي تنظم حياة المواطنين والدولة.
الرقابة على الحكومة: يمارس العضو دوره الرقابي عبر آليات دستورية محددة، مثل:
طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة: لإلزام الحكومة بتقديم إيضاحات حول أمر عام.
الأسئلة والاستجوابات: وهي أدوات قوية لمحاسبة الوزراء والحكومة عن تقصير أو مخالفات.
مناقشة الموازنة العامة للدولة: وهي الرقابة الأهم على أوجه صرف المال العام وتحديد أولويات الإنفاق.
إقرار السياسات الكبرى والقرارات المصيرية: مثل:
تفويض رئيس الجمهورية في إعلان الحرب أو إرسال قوات عسكرية خارج حدود البلاد.
الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وهم "خدمات الحي" والخلط في الاختصاصات:
هنا تكمن الإشكالية الكبرى في الوعود الانتخابية الزائفة. فبعض المرشحين يركزون حملاتهم على حل مشكلات تبدو ملحة، لكنها في الحقيقة تقع ضمن نطاق عمل المجالس المحلية التنفيذية والمحافظات، وليس المجلس التشريعي المركزي.
ملف القمامة والإشغالات: هذا اختصاص أصيل لأجهزة المحليات والأحياء والمحافظة.
الطرق والمرافق المكسرة داخل نطاق الحي: هذا عمل تنفيذي يقع ضمن مسؤولية المحافظ وعضو المجلس المحلي (إذا كان معمولاً به).
المرشح الذي يعد بحل هذه المشكلات الخدمية المباشرة يقع في إحدى حالتين:
جهل باختصاصاته الدستورية: وهذا يمثل خطورة، فكيف يشرع من لا يعرف حدود سلطته؟
محاولة لكسب الأصوات بوعود زائفة: وهذا خداع للناخب بإيهامه بأن لديه سلطة تنفيذية لا يملكها.
رسالة إلى الناخب:
أيها الناخب، لا تدع الوعود البراقة تغطي على الحقيقة الدستورية. عندما تستمع إلى مرشح، اسأله:
ما هي القوانين التي ترى ضرورة تعديلها أو سنها؟
كيف ستفعل آليات الرقابة الدستورية (استجواب، إحاطة) لمكافحة الفساد أو التقصير الحكومي في ملف الصحة أو التعليم؟
إذا كانت المشكلة هي مشكلة طريق مكسور، فهل دورك هو الإشراف على مقاول رصف أم الرقابة على موازنة وزارة النقل ككل؟
إن عضو مجلس النواب ليس "موظف خدمات" في منطقتك، بل هو شريك في سلطة التشريع والرقابة على مستوى الدولة. مهمته بناء دولة القانون والمؤسسات، ومهمة المجالس المحلية هي إدارة الشؤون اليومية للمحافظة.
الوعي بهذه الفروقات هو خط الدفاع الأول ضد الوعود الزائفة، وهو ما يُمكن الناخب من اختيار مشرع ورقيب حقيقي، لا ساعي بريد للمطالب الخدمية.
