الفتن الانتخابية
كتب : د. محمد إسماعيل
تشكل الانتخابات في المجتمعات الحديثة أحد أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية فهي أداة التعبير عن الإرادة الشعبية ووسيلة التداول السلمي للسلطة غير أن هذه العملية التي يفترض أن تكون سبيلا للتنافس الشريف تتحول في كثير من الأحيان إلى مصدرٍ للتوتر والانقسام بل إلى ما يمكن تسميته
بـ الفتن الانتخابية.
ليست مجرد خلاف سياسي أو اختلافٍ في الرؤى بل هي حالة من التهييج المجتمعي تتجاوز حدود المنافسة الطبيعية إلى مرحلة الصراع الاجتماعي حيث تختلط السياسة بالعاطفة ويتداخل الانتماء الحزبي أو القبلي
أو العائلي مع الولاء الوطني ومع ضعف الوعي السياسي وسوء إدارة الحملات الانتخابية والتصرفات غير الواعيه لبعض المرشحين تنتشر الشائعات وتستخدم وسائل الإعلام ومواقع التواصل ودعوة المناصرين للاعتصام كأدوات لتأجيج الانقسام بدل أن تكون منصات للتنوير والتوعية.
تتجلى الفتن الانتخابية في مظاهر متعددة كالتعصب المفرط لمرشح أو تيار بعينه وتبادل الاتهامات واستغلال الدين أو الانتماءات الاجتماعية لكسب الأصوات بل وفي بعض الأحيان تتحول المنافسة إلى خصومات شخصية تطال العائلات والجيران والأصدقاء وهنا تنتقل العملية الانتخابية من كونها وسيلة لإدارة الاختلاف إلى كونها سببا لتفكيك النسيج الاجتماعي .
من الناحية السياسية تنشأ الفتنة الانتخابية غالبا في البيئات التي تضعف فيها مؤسسات الدولة الحيادية أو حين ينظر إلى الانتخابات كفرصة لتصفية الحسابات لا كوسيلة للإصلاح كما يسهم غياب الشفافية وضعف الثقافة الانتخابية في خلق بيئة خصبة للتلاعب بالعواطف واستثارة الغرائز أما اجتماعيا فإن نتائج هذه الفتن تكون خطيرة إذ تزرع الشك بين أبناء الوطن الواحد وتضعف الثقة في العملية الديمقراطية نفسها.
إن بناء وعيٍ انتخابي رشيد يتطلب تجاوز العصبيات الضيقة والتمييز بين التنافس المشروع والتحريض الهدام وإدراك أن الاختلاف في الرأي لا يعني العداء فالمجتمع القوي هو الذي يدير تنوعه بوعي ويحول الانتخابات إلى فرصة للحوار والتجديد لا إلى ساحة للصراع والانقسام .
تبقى مسؤولية مواجهة الفتن الانتخابية مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والإعلام عبر ترسيخ ثقافة سياسية ناضجة وتربية جيلٍ يدرك أن الوطن أكبر من كل مرشح وأن النزاهة والوعي هما جوهر أي عملية انتخابية حقيقية.