الغزو الفكري وتدهور القيم في المجتمع المصري : هل هي ثمرة شيطانية من الغرب؟
كتب : محمود فوزي
يشهد المجتمع المصري تحولات سريعة وعميقة تطال مختلف جوانب الحياة، ومن أكثر القضايا التي تثير القلق والجدل هي مسألة تدهور الأخلاق وانحدار القيم والمبادئ.
يرى البعض أن ما يحدث ليس مجرد تطور طبيعي، بل هو نتيجة
لـ "غرز ثمرة شيطانية" مصدرها الغرب، هدفها إبعاد الناس عن التربية الدينية الصحيحة والقيم الأصيلة التي شكلت الهوية المصرية عبر العصور.
التربية الأصيلة والاعتماد على "الكتَّاب"
كانت مؤسسة الكتَّاب(كي جي) حالياً تمثل حجر الزاوية في بناء شخصية الطفل المصري، حيث لم يكن دوره مقتصرًا على تعليم القراءة والكتابة والقرآن الكريم فحسب، بل كان يمثل مدرسة شاملة للتربية.
كانت العملية التعليمية فيه تعتمد بشكل أساسي على التربية الدينية وغرس القيم والأخلاق الفاضلة.
كان الطفل يتشرب حب الوطن وحب الله، ويزرع فيه الخوف من الوقوع في الأخطاء والالتزام بالفضيلة.
هذا النموذج التربوي المتكامل أسهم في تخريج أجيال من العلماء الكبار في العلم والأدب الذين أثروا الحياة المصرية والعربية والإسلامية وحافظوا على نسيج المجتمع وقيمه. كانت التربية تُبنى على أساس متين يربط الفرد بدينه وقيمه وأمته، مما يمنحه بوصلة أخلاقية واضحة في مواجهة تحديات الحياة.
"الثمرة الشيطانية": الغزو الفكري الغربي
يُنظر إلى التغيرات الحالية كنتيجة مباشرة لـ انفتاح غير منضبط على الثقافة الغربية، التي تُتهم بأنها تحمل في طياتها قيمًا تتعارض جوهريًا مع القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع المصري.
وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، والإنتاج الفني والدرامي المستورد أو المتأثر به، أصبحت أدوات لـ غزو فكري ناعم يهدف إلى:
تغيير مفهوم الأسرة والقيم العائلية: عبر الترويج لأنماط حياة فردية ومتحررة لا تتفق مع البنية التقليدية والشرعية للأسرة.
تسطيح الوعي الديني والأخلاقي: بتقديم نماذج سلوكية تشجع على الانغماس في الماديات وإهمال الجانب الروحي والمسؤولية الأخلاقية.
تقويض مفهوم الهوية والولاء: عبر استبدال حب الوطن والاعتزاز بالهوية الإسلامية والعربية بمفاهيم عالمية فضفاضة قد تُضعف الانتماء.
يُعد هذا التأثير السلبي بمثابة توجيه ممنهج يهدف إلى إبعاد الناس عن التربية الدينية الصحيحة، التي كانت الأساس الذي يضمن تماسك المجتمع وصلاح أفراده.
يُعتقد أن الترويج المفرط للمظاهر السطحية للحضارة الغربية، مع إغفال جوهرها الإيجابي ومحاولة تهميش المرجعية الدينية، هو ما أدى إلى التدهور الأخلاقي الملحوظ.
ضرورة المراجعة واستعادة البوصلة الأخلاقية
لمواجهة هذا الانحدار، يرى الداعون لهذه الرؤية ضرورة المراجعة الجذرية لنظامنا التربوي والإعلامي.
يجب أن يكون هناك جهد وطني لإعادة إحياء القيم الأصيلة وتفعيل دور المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية كحصن منيع ضد الغزو الفكري.
إن استعادة المكانة المركزية للتربية الدينية والأخلاقية، كما كانت في نموذج الكتَّاب، مع تطوير آليات عرضها لتناسب العصر، هو السبيل لضمان أن يظل المجتمع المصري متماسكًا، يحافظ على هويته ويخرج أجيالًا لا تملك العلم والمعرفة فحسب، بل تتسلح أيضًا بـ الأخلاق والقيم التي كانت أساسًا لتقدمه وحضارته.
الأمر يتطلب وعيًا جماعيًا وإرادة قوية لـ رفض الاستسلام لأي تيار يسعى لـ تفريغ المجتمع من محتواه القيمي والروحي.
