العمارة الإسلامية بين الاستخلاف والهوية
بقلم المعماري : ياسر الكرماني
الإنسان خليفة في الأرض
قال تعالى:
﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ [البقرة: 30]
﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب﴾ [هود: 61]
فالعمارة ليست مجرد بناء، بل مسؤولية إنسانية دينية.
فالاستخلاف هو «العمران» بالمعنى الأشمل، لا الحكم بالمعنى السياسي الضيق.
أن تكون خليفة يعني أن تعمّر، أن تصلح، أن توازن، أن تترك ما هو أطيب ممن سبقك، لمن يليك و يرثك.
١. المدينة الإسلامية: فقه يسكن الجدران
المدينة الإسلامية التراثية ليست فقط ناتجًا عن ظرف تاريخي، بل تجسيدًا لفقه حيّ.
قواعد الفقه العمراني:
لا ضرر ولا ضرار: لا يجوز فتح نافذة تكشف الجار، أو رفع بناء يحجب الضوء.
حق المرور: لا يجوز التعدي على الطرق المستخدمة عرفًا.
حق الارتفاق: الحق في الضوء والهواء والماء، دون إضرار بالغير.
الحيز العام لا يُملك: الأسواق والساحات ملكية جماعية.
درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: يُمنع ما قد يؤذي الحي العام.
العادة محكمة: ما جرى به العُرف ولم يخالف الشريعة، يُقر.
٢. البيت الإسلامي: كيان أخلاقي لا مادي فقط
البيت في الثقافة الإسلامية ليس مجرد سكن، بل:
يحفظ الخصوصية عبر الفناء والمشربية.
يحترم الجيرة فلا يعلو ولا يطغى وتنكيب الأبواب اي عدم مقابلة ابواب المداخل بعضها لبعض .
يستعمل مواد محلية توائم البيئة.
يعتمد على الظل والملاقف.
يُبنى غالبًا بجهد جماعي.
البيت في النهاية جزء من منظومة أخلاقية واجتماعية وروحية.
٣. أزمة المعمار الحديث: استلاب النموذج الغربي
تم استيراد النموذج الغربي دون غربلة فحدث التالي:
تدهور التعليم المعماري.
تسليع الإنسان وتحويل السكن إلى سلعة.
تنميط التجربة: أبراج زجاجية، انقطاع عن السياق البيئي والاجتماعي.
٤. معماريون أعادوا وصل الجذور
حسن فتحي
أعاد الاعتبار للقرية ككائن حي.
اعتمد على الطين كمادة بناء، وعلى القباب للتهوية والتبريد، ورفض استخدام الزجاج والتكييف الصناعي في بيئة حارة.
قال :
"إن وضع حائط زجاجي في مناخ حار يتطلب جهاز تكييف لا يقل عن 1.5 حصان لغرفة مساحتها ٣×٤×٣ م.
هذا التكييف يعمل لنحو 8 ساعات يوميًا ويستهلك كهرباء بتكلفة شهرية قد تتجاوز 800 جنيه، وهي تكلفة لا يستطيعها البسطاء.
العمارة إن لم تكن عادلة، فهي جريمة اجتماعية."
عبد الواحد الوكيل
حصل على جائزة الآغا خان مرتين:
عن "بيت حلاوة" في الإسكندرية (1975)
عن "مسجد الجزيرة" بجدة (1989)
عبد الحليم إبراهيم
حاز جائزة أغا خان للعمارة سنة 1992 عن مشروع "حديقة الطفل بالحوض المرصود"،
وصمم مباني الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
رامي الدهان & محمد الرافعي
فندق موڤنبيك القصير (رامي الدهان)
بيت مزرعة القرينة (الرافعي): حاز على جائزة باكو الدولية (2021) وجائزة حسن فتحي (2016)
وليد عرفة
مسجد باصونة في سوهاج: حائز على جائزة الفوزان و19 جائزة أخرى.
بيت مصر في باريس.
هؤلاء لم يقلدوا التراث بل فهموه وتأملوه وأعادوا صوغه بلغة معاصرة.
٥. خاتمة: نحو وعي معماري جديد
العمارة الإسلامية ليست زخارف وأقواسًا، بل نظرة للكون والإنسان والمكان.
العودة للتراث لا تعني تكرارًا شكليًا، بل فهمًا للمبادئ:
العدالة
الاستدامة
الجماعة
الخصوصيةڜ
التكافل
فلنُعيد الاعتبار للعمارة كأداة إصلاح لا استهلاك.
كموقف وجودي، لا كتل هندسية متراكمة.
ياسر الكرماني مهندس معمارذذلوشي
و باحث في التراث و تاريخ الفن الإسلامي.
