recent
أخبار ساخنة

في يوم "وفاء النيل" دكتور قاسم زكي يتحدث لجريدة دايلي برس مصر

في يوم "وفاء النيل" دكتور قاسم زكي يتحدث لجريدة دايلي برس مصر




كتب - د. عبد الرحيم ريحان

الدكتور قاسم زكى أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة جامعة المنيا هو عالم موسوعى يشغل منصب رئيس اللجنة الوطنية للعلوم الوراثية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية لعلوم المحاصيل وأحد مؤسسي المجلس العالمي للنبات (GPC) عضو اتحاد كتاب مصر وعضو اتحاد الآثاريين المصريين وعضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين يتحدث لجريدة دايلي برس مصر في يوم وفاء النيل. 



تحتفل مصر يوم 15 أغسطس بيوم الفيضان أو ما يعرف حاليا “بيوم وفاء النيل”، ومن الثابت أن النهر يبدأ في الارتفاع عند أسوان في الأسبوع الأخير من يونيو ثم يتعالى بسرعة وبشدة من منتصف يوليو إلى أن يصل إلى ذروته في منتصف سبتمبر.


ومع نهاية سبتمبر تبدأ المياه في الهبوط حتى إذا كان منتصف نوفمبر عاد النهر إلى مجراه العادي ويستمر الهبوط ليصل إلى حضيض التحاريق في أوائل يونيو من العام التالي.


ويستغرق الفيضان من أسبوع إلى اثنين، بحسب حجمه وسرعته، فالفيضان ظاهرة موسمية. ويقدر متوسط إيراد النيل الطبيعي السنوي عند أسوان بنحو 83 مليار متر مكعب، ولكن هذا الإيراد متفاوت من عام لآخر، ونصيب الفيضان منها هو 68 مليار متر مكعب (آى بنسبة 82%) فإذا كانت “مصر هبة النيل” و النيل بدورة ليس إلا الفيضان أو يكاد، فلنا أن نقول إن “مصر هبة الفيضان” كما ذكر ذلك جغرافي مصر الفذ العالم “جمال حمدان.


ويشير الدكتور قاسم زكى إلى قيمة النيل في مصر القديمة وأطلقوا عليه الإله “حابى” و كانت له قدسية خاصة، و لعل كلمات الشاعر المصرى القديم منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد مازال يرن صداها في الأذان و هو يقول ” حمدا لله أيها النيل الذى ينفجر من باطن الأرض، ثم يجرى ليغذى مصر فهو الذى يسقى المروج، و قد خلقه “رع” كي يطعم كل دابة و ماشية

 و يرسل الماء إلى الجهات البعيدة فيروى مجدبها و يطفئ ظمأها، إن إله الزراعة ” قاب” يحبه، و إله الصناعة “منفتاح” معجب به فهو ينبوع الحياة”. وكانت تقام للنيل الاحتفالات ووصل الأمر “ولعلها من الأساطير” بأن الفراعنة كانوا يلقون له بعروس فاتنة الجمال حتى يزداد ماءه ويفيض خيرة.


أطول أنهار العالم

ويتابع الدكتور قاسم زكى بأن النيل هو أعظم أنهار الدنيا، فهو أطول أنهار العالم وأجملها وأكثرها ملائمة للملاحة حيث يبلغ طوله 6695 كيلومترا، و النيل يتشكل من ثلاث روافد رئيسية هم النيل الأزرق والنيل الأبيض ونهر عطبرة. و النيل الأبيض يرتفع في منبعه في بورندي ويمر عبر بحيرة فيكتوريا ثم يمر إلى جنوب السودان ليتلاقى عند جوهرة السودان “الخرطوم” مع النيل الأزرق القادم من الهضبة الحبشية بالقرب من بحيرة تانا. أما الرافد الثالث (نهر عطبرة) فيتلاقى مع النيل في شمال أراضى السودان، ليستمر جريانه إلى الشمال مخترقا بحيرة ناصر متجهة للشمال حتى ينتهي في البحر المتوسط. و النيل هو ملهم الشعراء و الفنانين، فأثناء رحلته الطويلة تلك يخترق النيل بلدان كثيرة شعوبها متنوعة و طبيعتها جذابة مليئة بالغابات الخضراء التي تملؤها الحيوانات والزواحف والطيور والنباتات النادرة وأيضا الصحارى الجدباء، فهو يتجول في أحد عشر دولة، فمن تنزانيا أقصى الجنوب الشرقي لدول الحوض، فبوروندي 

 فرواندا – فالكنغو أقصى الجنوب الغربي للحوض– فأوغندا قلب منطقة البحيرات العظمى ومنبع النيل الأساسي– فكينيا فجنوب السودان- ثم أثيوبيا –فإريتريا فالسودان – فمصر المحروسة.



رحلات القدماء

تقول الجغرافيا أنه يتساقط سنويا على دول حوض النيل أكثر من 7000 مليار متر مكعب مياه أمطار، يصل حوض النيل منها فقط حوالي 1600 مليار متر مكعب سنويا (آى قرابة 23% من مجملها) وتبلغ حصة مصر من إيراد النهر 55.5 مليار متر مكعب سنويا (آي أقل من 4% من إجمالي مياه حوض نهر النيل)، وذلك حسب اتفاقات دول الحوض. و قد وجهت مصر اهتمامها بأمر استكشاف القارة الأفريقية وخاصة نهر النيل شريان الحياة في مصر، و ذلك منذ العصور القديمة و التي تمثلت في الرحلات التي قام بها فراعنة مصر العظام “زوسر، سنفرو، أون، حرخوف ، بيبى نخت سيتى، أمنمنحات الأول، سنوسرت الثالث حتشبسوت وتحتمس الثالث، و قد أجتاز هؤلاء في رحلاتهم بلاد النوبة و وصلوا إلى منطقة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق كما وصل بعضهم إلى بلاد بونت (إريتريا و الصومال حاليا) على الساحل الشرقي من أفريقيا، كما سجلت ذلك ملكة مصر الأولى “حتشبسوت على جدران معبدها الرائع الذى يزين صفحة صحراء الأقصر بغرب الوادي. وقد أقام هؤلاء العظام علاقات تجارية وطيدة مع أهالي تلك البلاد وتوصلوا لمعلومات وحقائق عن حياتهم وسبل العيش هناك. وقد تواصلت محاولات مصر في العصرين البطلمي والروماني، وإن لم تتعدى تلك المحاولات نقطة التقاء الأبيض بالأزرق في السودان.


مصر وأفريقيا

وينوه الدكتور قاسم زكى إلى اهتمام مصر بأفريقيا بشكل واضح في العصور الحديثة مع بداية تأسيس مصر الحديثة على يد محمد على باشا الكبير خلال فترة حكمة (1805-1848م) حتى وصل إلى مدينة “غندكرو” التى تقارب حدود السودان الجنوبية مع أوغندا. وتبعة لنفس المسيرة في كشف الغموض عن منابع النيل حفيدة الخديوي إسماعيل (1863-1879م)، حتى وصل إلى أقصى نقطة يبدأ منها النيل مسيرته من بحيرة فيكتوريا، حيث أقرت مملكة أوغندا أئنذاك (1876م) بخضوعها للحكم المصري. وقد رأت مصر أن وجودها في منطقة أعالي النيل تلك سوف يؤكد الوحدة الجغرافية لحوض النيل ويربط الشعوب القاطنة حوله برباط يتناسق مع ما بينها من روابط طبيعية، فلم يكن ذلك منهم حبا في فتح أو رغبة في استعمار لا مبرر له وإنما كان حب الحياة والحرص عليها وتأمين موارد المياه، والحفاظ عليها والحيلولة دون وقوعها في أيدي القوى الاستعمارية.


منابع النيل

وعن اكتشاف منابع النيل لفت الدكتور قاسم زكى إلى أن مصر استطاعت إبان تلك الفترة (الربع الثاني و الثالث من القرن التاسع عشر، و قبل أن تهبط جحافل المستعمر الأوربي و تبسط قبضتها لتخنق أفريقيا السوداء) أن تستكشف مجرى النيل و تختبر صلاحيته للملاحة، و أن ترسم عدة خرائط لمجراه و للبحيرات الاستوائية كما تمكنت من استكشاف عدة بلدان وقرى بالمناطق الاستوائية و خلعت على بعضها أسماء مصرية، فضلا عن تمكنها من تجربة زراعة بعض المحاصيل هناك كما توصلت إلى حقائق مهمة عن الجبال و الثروات المعدنية و النباتات و الحيوانات الموجودة بكثير من هذه المناطق، و غير ذلك من الاكتشافات الحضارية.


كما أقامت المشروعات العمرانية التي أسهمت في نشر الوعي الديني والاجتماعي والسياسي والصحي والتعليمي والثقافي فى دول حوض النيل. و قد حفظت لنا سجلات التاريخ العديد من المستكشفين المصريين و الأجانب الذين تحملوا الكثير من المصاعب للكشف عن منابع النيل من هجمات القبائل و التي منها من كان يأكل لحوم البشر (قبائل الأزندى “نيام-نيام “Niam- Niam”)، و قنصات الحيوانات المفترسة، و لدغات الحشرات الضارة 

و الزواحف السامة و بعوض الملاريا القاتلة والأمراض الفتاكة كالجدري و الدوسنتاريا و ناهينا عن مشقة السير في المرتفعات

 و المنخفضات و قذارة البرك 

و المستنقعات و أحراش البراري.


سليم قبطان

ويختتم الدكتور قاسم زكى بحكاية الضابط البحري المصري “سليم قبطان وكان من أوائل من توغلوا في هذه المجاهل أيام محمد على

 (نوفمبر 1839 م) وقد تميز عهد حفيده الخديوي إسماعيل باتساع الكشوف فى منطقة البحيرات العظمى، ولو أنه يعيب مغامراته اعتماده الكبير على الأجانب في رئاسة تلك الحملات أمثال الإنجليزيان “صمويل بيكر Baker” و “تشارلز جوردن Gordon ” والأمريكي ” شابى لونج Long ” والفرنسي “أرنست لينان دى بلفون De Bellefonds ” والإيطالي “رومولو جيسى Romolo Gessi ” وغيرهم، والذين أبلوا بلاء حسنا في كشف اللثام عن منابع النيل.


لكن أثبت التاريخ فيما بعد أن ولائهم كان لأوطانهم الأصلية، وتأكد من هذا حين تكالبت دولهم على استعمار القارة واحتلالها واستنزاف خيراتها. لكن علينا ألا نغفل بتوجيه الشكر والعرفان لأبناء مصر والسودان الذين كانوا هم عماد تلك الحملات من ضباط وجنود وكذا حكام الأقاليم السودانية والذين تحملوا العبء الأكبر في نجاحها أمثال الضباط المصريون الأكفاء منهم محمد رؤف بك، وإبراهيم فوزي باشا وحسن واصف أفندي ومحمد أحمد أفندي ومصطفى أفندي فتحي، وكذا أخوتهم السودانيون أمثال أدم أفندي عامر ومحمد إبراهيم بك ومحمد أغا عبد الكافي.


ومع انطلاق ثورة يوليو 1952م كان اهتمام مصرا بأفريقيا عاليا وكانت تأثيرات تلك الثورة كشرارة النار لثورات التحرر في كافة بقاع القارة بل ذهب أبنائنا للقتال في تلك الدول كالكنغو مثلا. فهل لنا نحن أبنائهم وأحفادهم المحافظة على هذا الشريان واستكمال مسيرتهم وخاصة مع ما يتضارب من أقوال وأفعال لبعض دول منابع النيل حول إعادة تقاسم مياه النيل وإقامة سدود عملاقة. ومثلت مشكلة مياه النيل أولى اهتمامات قيادة مصر الحالية وبدأت القيادة السياسية في إعادة اللحمة مع دول حوض النيل وأفريقيا بعد قطيعة استمرت سنوات.


ويطالب الدكتور قاسم زكى بإعداد خطة تحرك خلال الفترة المقبلة، تشترك في تنفيذها وزارات الخارجية والري والتعاون الدولي والوزارات الأخرى ذات الصلة ومضاعفة ميزانية الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، وتخصيص ميزانيات لتمويل مشروعات التنمية والمساعدات والمنح التدريبية وحفر الآبار ومشروعات توليد الكهرباء، في دول أعالي النيل. وفي كل الأحوال، كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد وفاء النيل.

google-playkhamsatmostaqltradentX