اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الخيامية صناعة مصرية تستحق التسجيل تراث لامادي باليونسكو

 "الخيامية" صناعة مصرية تستحق التسجيل تراث لامادي باليونسكو



كتب ـ د. عبد الرحيم ريحان


تمثل منطقة "سوق الخيامية" أحد أبرز النماذج الحية لاستمرارية الحرف التقليدية في قلب القاهرة التاريخية وهو جزء من شارع مسقوف تنتشر على جانبيه محال صانعي "الخيامية" تلك الحرفة الفنية اليدوية التي تعتمد على الأقمشة القطنية السميكة المزينة برسومات هندسية ونباتية دقيقة تُثبت على قاعدة قماشية داكنة.



ويشير الرحّالة وخبير الترميم فاروق شرف إلى أن الخيامية هي أحد أقدم وأشهر الفنون التراثية اليدوية في مصر وتقوم على فن تطريز القماش الملون يدوياً لتكوين زخارف هندسية ونباتية وإسلامية أو مشاهد تاريخية وغالبًا تُستخدم لصنع المفروشات وواجهات الأجنحة والخيام وكسوات المآتم والمناسبات وحتى الأعمال الفنية الحديثة.



يرتبط اسمها بكلمة "خيام" إذ أن أصل الفن كان يستخدم لتزيين الخيام الملكية والعسكرية ومن هنا جاء الاسم.



ترجع جذور فن الخيامية إلى عصر مصر القديمة لكن الشكل الذي نعرفه اليوم تطور في العصرين الفاطمي والمملوكي حيث كان يتم إعداد الخيام المزينة لتستقبل الخلفاء والسلاطين في مناسباتهم الكبرى وللاحتفالات الرمضانية والمواكب الدينية.



كما تأثرت الخيامية بفنون الوافدين من العثمانيين والشوام والمغاربة خاصة في العصر العثماني مما أغنى هذا الفن بالتقنيات والزخارف الجديدة، لكن مصر ظلت مركزه الأهم والأكثر تميزًا.



استقر هذا الفن في شارع الخيامية وهو أحد الشوارع القديمة الواقعة خلف باب زويلة في القاهرة الفاطمية، بجوار شارع المعز لدين الله الفاطمى وقد اختير هذا المكان لقربه من مراكز الصناعات التقليدية والأسواق الكبرى في العصور الوسطى وكان موقعًا استراتيجيًا لتلبية حاجات الأعيان والمواكب السلطانية.



وبمرور الوقت أصبح الشارع مركزًا لفناني الخيامية الذين ورثوا المهنة جيلًا بعد جيل ولا يزال حتى اليوم يحتفظ بطابعه التاريخي والمعماري ويضم عددًا محدودًا من الورش التي تصارع من أجل البقاء.



وينوه الرحّالة فاروق شرف إلى وظيفة "المعلم" وهو المسؤول عن توزيع المهام وتصميم الزخارف ومتابعة الجودة وله كلمة الفصل في أي قطعة يتم إنتاجها.



رغم أن الخيامية ليست مهنة لها نقابة رسمية تشترط امتحانات إلا أن من يرغب في العمل بها يجب أن يتعلم تحت إشراف معلم محترف لفترة طويلة قد تمتد لسنوات.



من أبرز روّاد هذا الفن في العصر الحديث الحاج حنفي محمد إبراهيم المعروف بـ"شيخ الخيامية" والذي أسهم في تطوير الصناعة وتوثيق أساليبها خاصة في مؤسسة "إدارة الكسوة" التي كانت تقع في منطقة تحت الربع قرب باب الخلق.



يبدأ المتدرب غالبًا "صبي ورشة"، ويقوم أولًا بأعمال مساعدة بسيطة (مثل قص القماش أو رسم الزخرفة) ثم يتعلم الغرز الدقيقة والتطريز والتناسق اللوني وبعد ذلك يُكلّف بتطريز جزء صغير من قطعة حقيقية المعلم لا يسمح لأي صبي بالمشاركة في قطعة تُعرض للبيع أو تُستخدم إلا بعد اختبار فعلي لمهارته وجودة شغله.



فن الخيامية هو تراث مصري حيّ مهدد بالاندثار لكنه ما زال يقاوم من خلال قلوب وأيدي الفنانين الحقيقيين في شارع الخيامية ومن أراد أن يصبح خياميًا فعليه أن يُثبت نفسه بالصبر والحرفية والتعلم الطويل تحت عين المعلم.



إن سوق الخيامية ليس مجرد شارع حرفي بل هو متحف حيّ مفتوح ينبض بتاريخ الحرف الإسلامية والعمارة المملوكية والروح الشعبية القاهرية.

google-playkhamsatmostaqltradent