حينمَا يَصبِح الزوَاج قََيداً قاتلاً
لم يرفع القلم بعد
بقلم : الكاتبة منال خليل
في مجتمعاتنا، يُنظر إلى الفحص النفسي وكأنه إهانة، وكأن الاضطرابات النفسية وصمة عار يجب إخفاؤها.
لكن الواقع يقول إن كثيرا من جرائم العنف الزوجي لم يكن سببها الفقر أو الجهل، بل اضطرابات خفية لم تُشخّص.
وقد قال الله تعالى في سورة التغابن
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الآية 14
فما بالك إن لم نحذر، ولم نتحقق، ودخلنا حياة شخص لا نعرف عن حقيقته شيئًا؟
أحيانًا لا تكون المشكلة في البدايات، بل في التفاصيل الصغيرة التي تتراكم حتى تصبح قنبلة موقوتة.. على سبيل المثال لا الحصر في قضيه "آية عادل" فهي ولا أسرتها لم يكونوا يتوقعون أن تنتهي حياتها بهذه الطريقة، زوجها لم يكن رجلا بلا تعليم أو مستقبل، بل محاضر في الجامعات، يحمل جواز سفر دبلوماسي يُنظر إليه كرجل ناجح مهنيا.
لكنه، خلف الأبواب المغلقة، كان يمارس سلطته بوحشية، يعنفها نفسيًا وجسديًا حتى أوصلها إلى مرحلة الانهيار.
فسواء ألقاها بنفسه من النافذة، أو دفعتها سنوات القهر والتعنيف إلى الانتحار، فهو القاتل بأي حال قتلها قبل موتها الحقيقي
حطم روحها، دمّرها نفسيا، حتى لم يتبقَّ منها سوى جسد مرهق يبحث عن مهرب.
آية عادل ليست الضحية الأولى ولا الأخيرة و ليست وحدها.
فكم من امرأة تحملت العنف حتى فقدت الرغبة في الحياة؟
كم من زوجة عاشت تحت قبضة رجل مريض نفسي، لكن المجتمع والأسرة طالبوها بالصبر؟
كم من قصة انتهت بجريمة أو مأساة كان يمكن تجنبها لو كان هناك وعي حقيقي بأهمية الفحص النفسي في فتره الخطوبه قبل الزواج؟
هناك علامات لا يجب تجاهلها
فلا أحد يتحول إلى قاتل فجأة، العنف له جذور نفسية، والتجاهل هو أول خطوة نحو الكارثة.
قبل الزواج، هناك إشارات لا بد أن نتوقف عندها:
منها الغضب المفرط والميل للعدوانية عند أقل خلاف، الغيرة المرضية وحب التملك حتى لو كان ذلك بحجة الحب التحكم والسيطرة على كل تفاصيل حياة الشريك التلاعب العاطفي والتهديد المستمر بترك العلاقة أو الإضرار بالشريك نفسيا.
نمط العائلة نفسها، فالرجل الذي نشأ في بيت يبرر العنف، غالبا ما سيمارسه يوما ما.
الأمر يزداد خطورة حين تكون هناك نية لإنجاب الأطفال.
كيف نؤمن مستقبل أطفال سيولدون في بيئة مليئة بالعنف؟
كيف نضمن ألا نعيد إنتاج نفس المشكلات
جيلا بعد جيل؟
الأطفال الضحايا الصامتون
فكل زواج سامّ لا يقتل الزوجة فقط، بل يخلق جيل جديد من الضحايا الأطفال الذين يكبرون في بيوت مليئة بالصراخ الضرب، الإهانة، يرثون الخوف والاضطراب النفسي قبل أن يدركوا معناه.
بعضهم يصبحون نسخ من آبائهم، والبعض الآخر يعيشون في معاناة نفسية قد تلازمهم طوال حياتهم.
كم من طفل فقد والدته لأنها لم تتحمل العنف؟ كم من طفل يعاني من القلق
أو الاكتئاب لأنه شاهد والده يضرب أمه
أو العكس؟
كم من جيل سيدفع ثمن هذه العلاقات المريضة لأن المجتمع لم يشترط فحصًا نفسيًا قبل الزواج؟
لا أحد يختار أن يولد باضطراب نفسي
كما لا أحد يختار أن يصاب بمرض وراثي.
لكن كما نفحص الدم قبل الزواج، علينا أن نفحص النفس أيضًا ،الفحص النفسي لا يعني أن من يعاني مشكلة نفسية غير صالح للزواج، لكنه يساعد في التوعية، في التهيئة، في تجنب المفاجآت القاتلةوحرية الإختيار .
فالأمر لا يتعلق فقط بالعنف، بل بالإدمان بالنرجسية، بالاضطراب ثنائي القطب بالاكتئاب الحاد، بكل شيء قد يجعل الحياة الزوجية ساحة حرب بدلًا من أن تكون ملاذًا آمنًا.
وهناك إحصائيات للعنف الأسري
في مصر :
- في 2024، تصدرت القاهرة معدلات جرائم العنف ضد النساء بـ31.3%، تليها الجيزة بـ28.8%، مع انتشار الضرب كأكثر أشكال العنف شيوعًا بنسبة 63%.
- في 2025، تعرضت أكثر من 30% من النساء للعنف الزوجي، وسُجلت حالات قتل مرتبطة بالعنف الأسري.
- تشير التقارير إلى أن 70% من جرائم العنف تقع في المدن، مقابل 16% في المناطق الريفية.
-كشفت دراسة عن 200 ألف امرأة يعانين من مضاعفات الحمل بسبب العنف وارتفاع معدلات الإجهاض بنسبة 3.5%.
تؤكد هذه الأرقام الحاجة إلى تشديد القوانين والتوعية المجتمعية لحماية النساء من العنف الأسري وأهمية تداركها.
وأخيرا
الزواج مسؤولية لا مغامرة
- الزواج ليس تجربة نكتشف حقيقتها بعد أن نكون قد علقنا بها، بل مسؤولية تستحق التحضير الجاد كم من حياة كان يمكن إنقاذها لو كان هذا الفحص موجود؟
وكم من مأساة جديدة سنشهدها إذا استمرينا في تجاهل الأمر ؟!!
"الزواج رابطة مقدسة، لكنه ليس مبررا للمعاناة أو التضحية بالنفس "
والحب وحده لا يستقيم أمام الأمراض النفسية المتأصلة بعد الزواج، فالمشاعر قد تهدأ، لكن الجروح النفسية تظل تنزف في صمت"
- المصادر
" تقرير مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات في مصر 2024 (edraak-eg.org)
المركز المصري لحقوق المرأة .