ترميم الآثار بين الدراسة والتطبيق
كتب - د . عبد الرحيم ريحان
ماهو مفهوم التطوير في مجال التراث والآثار؟
سؤال طرحناه وأجاب عليه خبير الترميم حمدى يوسف الذى أوضح أن علم ترميم الآثار والمناهج الأكاديمية التي تعلمناها وطبقناها عمليًا في معامل كليات الآثار والأسس والمباديء التي ارتكز عليها علم ترميم الآثار بمصر هي مستقاه من القوانين التي ظهرت في بداية القرن التاسع عشر من خلال مؤتمر المعماريين الأول في عام 1913، وماتلاه من مؤتمرات كانت تتم بصورة دورية في 1931، فينيسيا 1964 ايطاليا للترميم 1972، امستردام 1975 لاهور للاثار الاسلامية 1980، بالاضافة الي وثيقة نارا " الأصالة " باليابان 1994
كل هذه المؤتمرات واللقاءات الدولية كانت تتم برعاية دولية متمثلة في اليونسكو والتي كانت تتدارك نقاط لم تكن غير ذي بال في الحفاظ علي التراث الذي يعتبر شاهدًا علي عصره في أساليب العمارة والفنون وقت الإنشاء.
وكانت كل هذه المؤتمرات هدفها الأول هو الحفاظ علي هذا التراث الإنساني في صورته الأصلية وقت الإنشاء باعتباره نموذجًا وشاهدًا علي أساليب العمارة في تلك الحقب الزمنية و شاهدًا علي تطور أو انحدار القيم الفنية والمعمارية للإنسانية.
ووضعت تلك المؤتمرات الدولية التي اقرتها جميع الدول الأعضاء بمنظمة العلوم والثقافة يونسكو ومنها مصر، الخطوط الرئيسية والأسس الواجب اتباعها وتنفيذها والتي من شأنها الحفاظ علي هذا التراث الإنساني علي صورته وقت الإنشاء عند تنفيذ مشاريع الترميم دون تغيير ودون استبدال عناصر معمارية كاملة وأصبح الترميم خارج عن الإطار المتعارف عليه دوليًا ولكن تحول إلي مشروع للتجديد تحد مسمي التطوير.
حتي أن القانون المصري عندما وضع القواعد المنظمة للتعامل مع المواقع الأثرية كان مصدره الرئيسي للتشريع هو ماقد اتفقت عليه الدول الأعضاء باليونسكو علي اعتبار أن مصر أحد أعضاءها.
ولم تفرق تلك المواثيق بين التراث الاثري والتاريخي و بين ماهو قيد الاستخدام كدور العبادة مع ماهو مفتوح للزيارات من أماكن تاريخية وأثرية ليتعرف الزائر علي النواحي الفنية والمعمارية في تلك الأزمنة للعناصر الاثرية علي حالتها الأصلية وتكنيك التصنيع وقت الإنشاء.
ومن هذا المنطلق تم تحديد المعايير والأسس التي ترتكز عليها علوم الترميم في المناهج الأكاديمية الدراسية بالكليات والمعاهد المتخصصة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الكليات والمعاهد المصرية المتخصصة.
لتصبح تلك المعايير بمثابة مسطرة القياس علي تنفيذ جميع مشاريع الترميم عالميا للأماكن التراثية دون التفرقة بين ماهو قيد الاستخدام وماهو من اجل الزيارة فقط.
ولم تتطرق تلك الأسس والمعايير إلي مايسمي التطوير او التجديد للأثر بحذف عناصر معمارية واستبدالها بعناصر أخري جديدة بنفس المواصفات ولكن بتكنيك تصنيع يختلف عن الأصل وقت الإنشاء في ظل استخدام التطور التكنولوجي بمجال تصنيع وتجهيز العناصر المعمارية.
علي اعتبار أن أي تدخل في الأثر بالتطوير أو التجديد يعد تدخلًا غير مسموح في الأسس التي اتفق عليها العالم لأنه يعتبر تدخلا مباشرًا لتغيير معالم الأثر بالحدس او باستخدام الملكات الإبداعية للقائم علي الترميم في عصرنا الحديث وهو مايعد تدخلا غير مقبول يغير من طبيعة الأثر وقت الإنشاء.
وبناءً على هذا يوضح خبير الترميم حمدى يوسف أن التطوير يجب أن يتم في محيط الأثر وليس في تفاصيل الأثر الفنية او شكل الكتلة المعمارية او بإزالة عناصر كاملة واستبدالها بعناصر بديلة بنفس المواصفات مع ضرورة إبراز القيم الجمالية والفنية للأثر باستخدام ماقد يستجد من تكنولوجيا حديثة لتسليط الضوء علي عناصر الإبهار في الحضارات القديمة بالمؤثرات البصرية والفنية دون التدخل بالتجديد او التطوير للاثر ذاته او العبث به تحت أي مسمي.
ويوضح أن مانراه في مصر وخصوصا في الاماكن الاثرية والتاريخية قيد الإستخدام كدور العبادة هو مخالف لكل الاعراف والمواثيق المتفق عليها دوليا من حيث تطوير الأثر ذاته والذي يحدث بالتدخل المباشر باعمال التجديد التي تتم للاثر ذاته مما يقضي تماما علي عناصر التقادم الزمني مستغلا التطور العلمي في مجال العمارة من خامات مستحدثة تغير من أصل المكون الأثري.
وبالتالي يجب ان نعود إلي المناهج الاكاديمية المصرية ومايتم تلقينة للطلاب المتخصصين بشأن عمليات الترميم وهل هي تخضع الي المواثيق الدولية ام انها مخالفة لتلك المواثيق ؟ فإذا كانت تتفق معها فلا ضرر ولا ضرار ، واما اذا كانت لاتتفق مع مايتم تلقينه للطلبة المتخصصين بدراسة علم ترميم الآثار فنحن امام خيارين لاثالث لهما، أما ان يتفق العالم من خلال اليونسكو علي التدخل بتغيير معايير التعامل مع الأماكن التاريخية قيد الإستخدام لإجازة التدخل بالتغيير بمايتلائم مع احتياجات تلك المواقع ،وبالتالي تغيير المناهج الاكاديمية بالكليات المتخصصة حتي لايفاجأ الطالب المتخصص بأن مايتم تدريسه في الجامعات في واد والواقع التنفيذي علي أرض الواقع لترميم الآثار في واد آخر.
مما يوحي بوجود ازدواجية في معايير الترميم دون مبرر، واصبح التدخل بالتجديد تحت مسمي التطوير بديلا عن الأسس العامة لعلم الترميم الأكاديمي الذي اتفقت عليه جميع دول العالم من خلال اليونسكو .