اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الخطأ المرفقي بين الإباحة والتجريم

 الخطأ المرفقي بين الإباحة والتجريم





بقلم : الدكتور أحمد شعبان


إن المسؤولیة الإدارية من خلق القضاء الإداري، فهی  لا تستند إلى قواعد مقننة ثابتة بل  متغیرة طبقاً لما تتطلبه حاجات المرافق العامة وحاجات الأفراد، وقد أدى اتساع نشاط الإدارة فی العديد من المجالات إلى زيادة الأضرار الواقعة على الأشخاص والأموال، وبالتالي جاءت هذه المسؤولية لجبر هذه الأضرار عن طريق التعويض.



یعرف الخطأ بشکل عام بأنه مخالفة لأحکام القانون تتمثل فی أعمال مادیة أو فی تصرفات قانونیة وتأخذ صورة أعمال إیجابیة أو تأتی على هیئة تصرفات سلبیة تنشأ عن عدم القیام بما یوجبه القانون.



أما الخطأ المرفقي فیعرف بأنه "الخطأ الذي ینسب إلى المرفق حتى ولو کان الذی قام به مادیاً أحد الموظفین" .



ويبذل الفقه والقضاء الإداریین جهوداً کبیرة لإیجاد معیار محدد یمیز الخطأ المرفقي الذي تتحمل الدولة مسؤولیة التعویض عن الأضرار المترتبة علیه من الخطأ الشخصي الذي یتحمل الموظف کافة تبعاته.



تعددت المعاییر التي نادى بها الفقهاء الإداریین لتمییز الخطأ الشخصي من الخطأ المرفقي، وأهم المعاییر التي قبلت بهذا الصدد هی :

أولاً : معیار النزوات الشخصیة

وهو أول معیار قدمه الفقه الإداری وقد قال به الفقیه "لافیرییر" ویقوم على أساس النزوات الشخصیة للموظف الذی نسب إلیه الخطأ، فهو یرى أن الخطأ یعد شخصیاً إذا کان الفعل الضار مطبوعاً بطابع شخصي یدل على ضعف الموظف وعدم تبصره، فالموظف فی هذه الحالة یسأل وحده عن الخطأ ویتحمل کافة نتائجه، أما إذا کان الفعل الضار الذی وقع من الموظف غیر مطبوع بهذا الطابع الشخصی أی أن لیس لمیوله أو نزواته الشخصیة دخل فیه وینبئ عن موظف عرضة للخطأ والصواب فالخطأ فی هذه الحالة یکون مرفقیاً وتسأل الإدارة وحدها عنه دون الموظف.



ثانیاً : معیار انفصال الخطأ عن الوظیفة

ذهب العمید "هوریو" إلى وضع معیار آخر للتفرقة بین الخطأ الشخصی والخطأ المرفقی، فالخطأ الشخصي على وفق هذا المعیار هو الخطأ الذي یمکن فصله عن أعمال الوظیفة، والخطأ المرفقي هو الذي یدخل في أعمال الوظیفة ویکون متصلاً بها فلا یمکن فصله عنها.



فالخطأ الشخصي الذي یمکن فصله عن أعمال الوظیفة قد ینفصل عنها انفصالاً مادیاً أو معنویاً، فالانفصال المادی یکون فی حالة إتیان الموظف لعمل لیس له علاقة مادیاً بواجبات وظیفته مثال ذلك إذا نص القانون على اختصاص العمدة بحذف أسماء الأشخاص الذین لا تتوافر فیهم شروط الانتخاب وقام العمدة بشطب أسم شخص قد صدر حکم ضده بإشهار إفلاسه من جدول الانتخاب فتصرف العمدة یعد صحیحاً لأنه یدخل ضمن واجبات وظیفته، ولکن إذا تجاوز العمدة هذه الحدود إلى التشهیر به بالإعلان عن ذلك بالمناداة فی القریة، فهذا العمل الأخیر یعد خطأً منفصلاً انفصالاً مادیاً عن الوظیفة إذ لیس من أعمال وظیفته الإعلان عن أسماء المشهر إفلاسهم أو التشهیر بهم  .



ثالثاً : معیار الغایة

قال بهذا المعیار الفقیه "دیجی" ویقوم على أساس الغایة التی یتوخاها الموظف بتصرفه الذی نتج عنه الضرر، فإذا کان الموظف قد قصد بعمله تحقیق أغراض الوظیفة العامة فإن خطأه یعد خطأً مرفقیاً أما إذا کان تصرف الموظف بقصد تحقیق أغراض شخصیة لا علاقة لها بالوظیفة فإن الخطأ یعد شخصیاً  .



موقف القضاء الإداری

رأینا تنوع الحلول التی ذهب إلیها الفقه، وأن أیاً من هذه المعاییر لم یرق فی درجة المعیار الحاسم، الأمر الذی جعل کل معیار هدفاً للنقد، ومن هنا لم یجد القضاء ضالته فی الحلول الفقهیة، فسلك مسلکاً عملیاً مؤداه أن یضع القضاء الحل لکل حالة على حده، مسترشداً بکافة المعاییر لیستند إلى المناسب منها واضعاً فی اعتباره الظروف التی أحاطت بالواقعة ومن ثم یکیف الخطأ بأنه من الأخطاء المرفقیة أم الأخطاء الشخصیة .



ولقد تطور موقف القضاء الإداری إزاء العلاقة بین الخطأ المرفقي والخطأ الشخصی تطوراً کبیراً، إذ جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسي في أول الأمر على قاعدة الفصل التام بین الخطأ الشخصی والخطأ المرفقی، فالضرر الذی یصیب الأفراد إما أن یکون أساسه خطأً شخصیاً بحتاً منسوباً للموظف فیکون وحده المسؤول عنه أمام المحاکم العادیة، وإما أن یکون سببه خطأً مرفقیاً فلا یسأل عنه الموظف وتتحمله الإدارة ویکون الاختصاص بنظره للمحاکم الإداریة، لکن موقف مجلس الدولة الفرنسی تطور بعد ذلك إذ أجاز الجمع بین هذین الخطأین فقد أقر مجلس الدولة أن الضرر قد ینشأ عن خطأ شخصی وخطأ مرفقی في آن واحد وأقر ذلك في حکمه الشهیر الصادر بتاریخ 3 فبرایر سنة 1911 تحت عنوان (Anguet). 


وبذلك یکون مجلس الدولة قد أقر أن الفعل الضار یمکن أن یتکون من خطأ شخصي وخطأ مرفقي في آن واحد"  .

google-playkhamsatmostaqltradent