زاوية وخانقاة أيدكين البندقداري بشارع السيوفية بالخليفة
كتب د. عبد الرحيم ريحان
الخانقاه (معرب من الكلمة الفارسية: خانگاه) وهو المكان الذي ينقطع فيه المتصوف للعبادة، اقتضت وظيفتها أن يكون لها تخطيط خاص، فهي تجمع بين تخطيط المسجد والمدرسة ويضاف إلى هذين التخطيطين الغرف التي يختلي أو ينقطع بها المتصوف للعبادة والتي عرفت في العمارة الإسلامية باسم الخلاوي.
وهي بلا مئذنة وبلا منبر وتضم مسجدًا لا تقام فيه صلاة الجمعة، ويلحق أحيانًا به ضريح أو مدرسة أو سبيل، تُدرس في مدرسة الخانقاه العلوم الدينية على المذاهب الأربعة، كما قامت الخانقاه بدور أوسع من المدرسة في نشر الوعي الديني
ويُعتقد أن أقدم مثال للخانقاه ما يزال قائمًا في مصر على مخطط المدرسة هو خانقاه الجاشنكير التي تأسست عام 606هـ / 1307 م ويليها خانقاه الفرافرة بحلب التي عُرفت بالرباط الناصري والتي تأسست عام 635هـ / 1337 م في العهد الأيوبي، ولا شك أن هناك أسبابًا سياسية وأخرى دينية وراء ظهور الخانقاه وتطورها، وهذه الأسباب مجتمعة تخدم ترسيخ أركان الدولة وشّد أزرها في الجهاد ضد الإفرنج الصليبيين الذين احتلوا الأرض المقدسة وهددوا مصر والعالم الإسلامي منذ نهاية القرن الحادي عشر
تغير اسم الخانقاه في العهد العثماني ليصبح " التكية " كما تغيرت الوظيفة الأساسية التي أقيمت من أجلها فجُعلت لطائفة أطلق عليها أسم الدراويش خُصصت لها أوقاف كثيرة مما جعل الكثير من الناس يدخلون في هذه التكايا والتمتع بما تقدمه الأوقاف من أكل وملبس
خانقاة أيدكين البندقداري
رقم الأثر 146 تقع بشارع السيوفية بالخليفة وتاريخها 683- 684هـ، 1284 – 1285م
ويشير الدكتور السيد جابر مدير آثار الدرب الأحمر إلى أن الأمير علاء الدين أيديكن البندقداري كان مملوكًا للأمير جمال الدين موسي ابن يغمور ثم انتقل عنه للملك الصالح نجم الدين أيوب وجعله بندقدار (البندقدار هو الذي يحمل جراوة البندق خلف السلطان أو الأمير وهو مركب من لفظتين فارسيتين إحداهما بندق...البندق الذي يرمى به والفظة الثانية دار ومعناها ممسك ويكون المعنى ممسك البندق) وأخذ منه مملوكه الظاهر بيبرس وبعد وفاة الصالح نجم الدين أيوب أصبح ممن مماليك شجر الدر
وفي عام ٦٦٢هـ عزله الملك الظاهر بيبرس من حلب وجاء إلي القاهرة وملك باقة الشرقية بأكملها وكان له النصيب في جهاد الصليبين وأخرج الفرنج عن حمص عام ٦٦٤ هـ وقد توفي في القاهرة عام ٦٨٤ هـ . ودفن بتربته القريبة من شارع الصليبة والتي أنشأها وجعلها لله تعالي وخانقاة وضع بها الصوفية الفقراء وجددها ديوان الأوقاف سنة ١٣٠٠ هـ كما تحتوي القانقاة علي قبة أخري أنشأها لزوجته .
ويصف الدكتور السيد جابر مدير آثار الدرب الأحمر الخانقاه بأنها تتكون من قبتين الأولي تطل واجهتها علي الشارع والثانية تقع خلف الأولي ويفصل بينهما مساحة جديدة للصلاة، وتتكون الواجهة التي تطل علي الشارع من مداميك حجرية وينتهي حائط الواجهة بشرفات مسننة ويعلو حائط الواجهة منطقة إنتقال للقبة .
أمّا القبه فمزخرفة بقنوات عددها ١٦ يفصل بينها فصوص بارزه وفي وسط الواجهة يوجد مدخل قد سد الآن . وينتهي بعتب يعلوه عقد عاتق ويوجد شريط كتابي يقع تحت الشرافات مباشرة، ويحتوي علي رنك البندقداري وهو عبارة عن قوسين متواجهين
ويؤدي إلي الخانقاة مدخل معقود عقده مكون من ثلاثة فصوص بني حديثًا يوصل إلي ممر علي جانبه الغربي تقع القبه الأولي وعلي جانبه الشرقي منازل ومنه نصل إلي ساحة الصلاة وتفتح القبة الأولي علي هذا الممر بواسطة باب من ثلاث درجات من الحجر المنحوت مثل حجر الواجهة ومن المرجح أن يكون هذا الباب فتح حديثًا
الجدران الداخلية خالية تمامًا من الزخارف إلا المحراب الذي يعلوه عقد وتحيط به الزخارف الجصية الجميلة وعلي جانبي المحراب توجد حنيتان طويلتان مجوفتان، ويوجد للقبة باب ثاني في الضلع الشرقي يقابل الباب الذي يفتح علي ممر المدخل
وقد بنيت القبة ومناطق الإنتقال من الآجر (الطوب الأحمر) وتتكون منطقة الإنتقال والقبة الأولي من صفين من المقرنصات يحتوي كل منهما علي ثلاث مقرنصات (المُقَرْنَص وجمعه مُقَرنَصات هى عناصر فى العمارة الإسلاميّة تمثل محرابًا صغيرًا، أو جزءًا طوليًا منه وهو ذو أنواع وأشكال متعددة، ولا يُستعمل إلّا متكاثرًا متزاحمًا بصفوف مدروسة التوزيع والتركيب متجاورة متعالية حتّى لَتبدو كل مجموعة من المقرنصات وكأنها بيوت النحل أو أقراص الشَّهد تتلاصق خلاياها وتجمع بين عناصرها خطوط وكتل متناغمة رياضيّة التصميم متناهية في الدقة تؤدي وظيفة معمارية محددة، ودَورًا زخرفيًا جماليًا يتجاوز كل حدود، وكأنها منحوتات سُرْيالية ذات مدلول رمزي وبُعد ما ورائي ومع المقرنصات لا تنتهي المساحات بل يتصل بعض الجدران ببعض وبالسقوف والقِباب والشرفات، ولا يتوقف النظر عند حدّ وكأنها مرتبطة بالزخرفة التي لا بداية لخطوط زخارفها ولا نهاية، وتغطى المقرنصات المجالات المقعّرة والتقاءَ السطوح الحادّة الأطراف في الأركان بين السقف والجدران وأسفل الشرفات في المآذن ورؤوس مداخل المنابر وهي تقضي على مناطق الانتقال المفاجىء من مربّع قاعدة القبّة إلى الشكل الدائري وهي تهيمن بشكل خاص على الحنايا الركنية وسماء القباب وطاساتها الخارجية)
ويفصل بين الأركان نافذة مكونة من ثلاث فتحات ويعلو ذلك رقبة القبة التي تحتوي علي ١٦ نافذة وفوقها يوجد شريط من الكتابة محصورة في بحور يفصل بينها جامات مستديرة، وفي وسط القبة توجد جامة بها زخارف ويحيط بها شريط من الكتابة .
وتحتوى منطقة الإنتقال للقبة علي درج واحد .والتدرج يتفق مع بداية صفوف المقرنصات من منطقة الإنتقال بالداخل والقبة مكونة من ١٦ فص واضحة يفصل بينها ضلوع ذات زوايا
ويوضح الدكتور السيد جابر أن القبة الثانية أصغر قليلًا من الأولي فيمكن الوصول إليها عن طريق مساحة للصلاة من الباب ومنه إلي ممر ضيق نجد في نهاية ضلعه الغربي باب يؤدي إلي القبة الثانية وتحتوي القبة علي محراب ضيق ينتهي بعقد منكسر وفي الأضلاع الثلاثة الأخري حنيات ضيقة، وتتكون منطقة الإنتقال من ثلاثة صفوف من المقرنصات ويحتوي كل صف علي خمس مقرنصات ويفصل بين الأركان نافذة ذات ثلاثة فتحات، و تحتوي رقبة القبة علي أربع وعشرين نافذة صغيرة تقوم علي شريط مكون من بحور تحتوي علي كتابات ويملأ فراغ كوشة عقود النوافذ زخارف جصية علي شكل معينات ويعلو ذلك شريط ضيق من الخط الكوفي يعلوه شريط به بحور من كتابات نسخية يفصل بينها دوائر، والقبة من الخارج تحتوي علي درج واحد والتدرج يتفق مع بداية صف المقرنصات الأول وما زالت القبة تحتفظ ببعض الزخارف الجصية والكتابات الكوفية





