اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

تاج الجوامع يتزين لعباد الرحمن فى رمضان

الصفحة الرئيسية

 تاج الجوامع يتزين لعباد الرحمن فى رمضان






كتب د. عبد الرحيم ريحان


أعلنت الحكومة عن إنهاء استعدادها لافتتاح مسجد عمرو بن العاص للمصلين خلال شهر رمضان المبارك وذلك بعد الانتهاء من ترميمه بتكلفة تقارب 180 مليون جنيه، وذلك ضمن مشروع تطوير منطقة الفسطاط التاريخية، وقد تفقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أعمال التطوير النهائية، في المسجد والتي تقوم عليها شركة المقاولون العرب وبإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، جاء ذلك بحضور اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة، واللواء محمود نصار رئيس الجهاز المركزي للتعمير.






وترصد حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان إنجازات الدولة فى قطاع الآثار والسياحة أول بأول وتقدم الدراسات العلمية عنها بالصور التوضيحية وتروج لها محليًا ودوليًا طبقًا لمبادىء وأهداف الحملة.



ويعد جامع عمرو بن العاص هو ثانى جامع أقيم فى مصر بعد جامع سادات قريش ببلبيس بمحافظة الشرقية أنشأه بالفسطاط الصحابى الجليل عمرو بن العاص رضى الله عنه  عام 21 هـ ، 641م بعد فتحه لمصر واشترك فى تحديد قبلته ثمانون من الصحابة يصفه المؤرخ إبن دقماق فى كتاب الإنتصار لواسطة عقد الأمصار.





( إمام المساجد ومقدم المعابد قطب سماء الجوامع ومطلع الأنوار اللوامع موطن أولياء الله وحزبه طوبى لمن حافظ على الصلوات فيه وواظب على القيام بنواحيه وتقرب منه إلى صدر المحراب وخر إليه راكعاً وأناب )

ويشير باحث الآثار الإسلامية الشهير أبو العلا خليل إلى أن عمرو بن العاص رضى الله عنه  اختار بناء جامعه على الضفة الشرقية للنيل فى منطقة بها أشجار كروم وتبعد نحو مائة متر جنوب حصن بابليون وكان جامع عمرو عند إنشائه يقع مباشرة على النيل وقد أخذ مجرى النيل ينتقل تدريجيًا نحو الغرب حتى صار على ماهو عليه الآن، والجامع الحالى لا يشتمل على شئ من الجامع الأصلى القديم الذى بناه عمرو غير مساحة الأرض التى كان قد بنى عليها وتقع هذه المساحة فى النصف الشرقى من رواق القبلة أى على يسار الواقف فى رواق القبلة تجاه المحراب.





تخطيط الجامع

يصف أبو العلا خليل تخطيط جامع عمرو بأنه أقدم الطرز المعمارية لبناء المساجد وأهمها وهو الطراز المشتق من عمارة الحرم النبوى الشريف أى الطراز الذى يتألف من صحن أوسط مربع يحيط به من جوانبه الأربعة أربعة أروقة أعمقها رواق القبلة كما استوحى عمرو فى تخطيطه بناء داره خارج من جهة الشرق ومحاذى لجداره وترك بينها وبين المسجد طريقًا يبلغ عرضه نحو أربعة أمتار أسوة بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم وداره فى المدينة المنورة.



ومن جميل ما ذكره عبد الرحمن بن عبدالحكم فى فتوح مصر وأخبارها ( كتب عمرو بن العاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنهما : أنّا قد اختطنا - أى بنينا - لك دارًا عند المسجد الجامع فكتب إليه عمر: أنى لرجل بالحجاز يكون له دارًا بمصر ! وأمره أن يجعلها سوقًا للمسلمين وعرفت هذه الدار " دار البركة") كما بنى عمرو الى جوار الجامع حمام عرف بحمام الفأر.





وعن ذلك يذكر السيوطى فى حسن المحاضرة (اختط عمرو بن العاص الحمام التى يقال لها حمام الفأر لأن حمامات الروم كانت كبار فلما بنى هذا الحمام ورأوا صغره قالوا: من يدخل هذا الحمام! هذا حمام فأر) وبعد أن فرغ عمرو من بناء جامعه اتخذ له منبرًا على غرار منبر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة فلما علم الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه غضب وأمر بكسر المنبر - والحديث لإبن ظهيرة فى الفضائل الباهرة - وأرسل إليه: أما يكفيك أن تقوم قائمًا والمسلمون جلوس تحت قدميك فكسره عمرو.





حكاية المئذنة

ويوضح الباحث فى الآثار الإسلامية أبو العلا خليل أن جامع عمرو بن العاص نال على مر الزمان رعاية وعناية الولاة والحكام وكانت أولى العمائر على يد الوالى مسلمة بن مخلد الأنصارى والى مصر من قبل الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان سنة 53 هـ، 673م وكان سبب هذه العمارة أن المسجد ضاق بالمسلمين فشكوا إلى مسلمة فكتب مسلمة إلى الخليفة معاوية يطلب منه الإذن فى ذلك فهدم مسلمة المسجد وزاد فى مقدمته أى عند الجانب المواجه للقبلة وأضاف رحبة أمام هذا الجانب صار الناس يصيفون فيها.



كما زاد فى الجامع من ناحيته الشرقية مما يلى دار عمرو بن العاص حتى ضاق الطريق بينه وبين الدار كما زود مسلمة فى هذه العمارة المسجد بمئذنة والتى صارت بعد ذلك أساسًا لظهور أحد المعالم المهمة فى تصميم المساجد ذلك أن مسلمة بن مخلد بنى فى أركان الجامع أربع صوامع ليلقى منها الآذان ونقش اسمه عليها وأمر المؤذنين أن يؤذنوا للفجر إذا مضى نصف الليل وأمر ألا يضرب فيه ناقوس عند الفجر كما كان يضرب أولًا

وذكر الكندى فى  كتاب الولاة والقضاة (أن مؤذنوا جامع عمرو بن العاص كانوا يؤذنون للفجر أولًا فإذا فرغوا من آذانهم أذن كل مؤذن فى مساجد الفسطاط فى وقت واحد فكان لآذانهم دوى شديد)



دار عمرو

يشير أبو العلا خليل إلى الزيادة الثانية بالمسجد على يد الوالى عبد العزيز بن مروان من قبل الخليفة الأموى عبد الملك بم مروان عام 79هـ ، 698م فزاد فى الجانب المواجه للقبلة حيث أدخل فيه الرحبة التى كان قد أضافها مسلمة بن مخلد عام 53هـ ، 673م ومن الملاحظ أنه لم يستطع أن يوسع الجامع من جانبه الشمالى الشرقى لوجود دار عمرو بن العاص عند هذا الجانب، وعمل الوالى عبد العزيز بن مروان على أن يوفر للمسجد وسائل الهدؤ والوقار ورتب به قراءة المصحف وكان هو أول من فعل ذلك.



وذكر ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة  (ويقال أنه دخل المسجد يوما عند طلوع الفجر فرأى فى أهله ثقل فأمر بإغلاق أبواب المسجد عليهم ثم أخذ يستطلع حالهم رجلًا رجلًا فكان يقول للرجل ألك زوجة؟ فيقول لا، فيقول زوجوه ألك خادم؟ فيقول لا فيقول أخدموه أحججت؟ فيقول لا فيقول أحجوه، أعليك دين ؟ فيقول نعم فيقول أقضوا دينه فأقام المسجد بعد ذلك دهرًا عامرًا)



تصويب القبلة وإدخال المنابر

يوضح أبو العلا خليل أن ثالث الزيادات بجامع عمرو كانت على يد الوالى قرة بن شريك من قبل الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك عام 93هـ، 711م واستغرقت عامًا كاملًا ذادت فيه مساحة الجامع حيث أدخل فيه أجزاء من دار عمرو ودار ابنه عبد الله فى الجانب الشمالى الشرقى كما وسع قليلًا من ناحية القبلة وقد انتهز قرة بن شريك هذه الفرصة فصوب اتجاه القبلة وكانت منحرفة قليلًا عن الاتجاه الصحيح.



وفى عام 94هـ ،713م أضاف قرة بن شريك منبر خشبى لجامع عمرو وقد تبع ذلك إدخال المنابر فى قرى مصر.



أمّا الزيادة الرابعة بجامع عمرو فكانت عام 133هـ ،750م على يد القائد العباسى صالح بن على بعد سقوط الخلافة الأموية وصارت مصر بالتبعية ولاية إسلامية تابعة للخليفة العباسى ببغداد وفيها قام صالح بن على بتوسعة المسجد من الركن الشمالى الغربى وأدخل فيه دار الصحابى الجليل الزبير بن العوام بتلك الجهه وأضاف بابًا للمسجد فى جداره الشمالى عرف بباب الكحل لأنه كان يقع فى مواجهة زقاق الكحل.



حكاية فوارة المسجد

ويستمر أبو العلا خليل مشيرًا إلى أن الزيادة الخامسة فى جامع عمرو بن العاص تعتبر أكبر الزيادات وآخرها وقد احدثت فى عهد والى مصر عبدالله بن طاهر من قبل الخليفه العباسى المأمون عام 212هـ، 827م حيث أضاف عبدالله بن طاهر مساحة جديدة إلى المسجد من ناحية الجنوب تعادل المساحة التى كان عليها وأصبحت مساحة المسجد على ماهو عليه الآن 120م طول ، 112م عرض

وفى صحن جامع عمرو بن العاص بنى أسامه بن زيد التنوخى متولى الخراج -أى الضرائب- بمصر سنه 97هـ وفى خلافه سليمان بن عبد الملك بناء ذو قبة عرف ببيت المال ليحفظ به مال الدولة كما تودع به أموال اليتامى حفظًا لها من الضياع.





وفى سنه 378هـ فى خلافه العزيز بالله ثانى الخلفاء الفاطميين بمصر قام الوزير يعقوب بن كلس ببناء فوارة (فسقية) تحت بيت المال ونصب فى الفوارة حباب الرخام للماء -أى أزيار- وقد زار الرحالة ابن سعيد المغربى جامع عمرو بن العاص فى أواخر العصر الأيوبى فكتب يقول  (والجامع قديم البناء غير مزخرف يتخذه أهل الفسطاط مكانًا للنزهة فيجلسون فى أرجائه ويتناولون طعامهم والصبية يطوفون عليهم بأوانى الماء والصبيان يلعبون فى صحنه والبياعون يبيعون فيه أصناف المكسرات والكعك والأهالى يعبرون فيه بأقدامهم من باب إلى باب ليقرّب عليهم الطريق غير أنى وجدت فيه كثير من الإرتياح والأنس دون منظر يوجب ذلك فعلمت أنه سر مودع من وقوف الصحابه رضوان الله عليهم فى ساحته عند بنائه)



وفى عام 702هـ ، 1303م تعرضت البلاد لزلزال مدمر أدى إلى تصدع جدران المسجد فقام الأمير سلار على عهد السلطان المملوكى الناصر محمد بن قلاوون بعمل عماره كبيره للجامع بقى منها الآن محراب جصى لايزال يشاهد فى واجهة الجامع الرئيسية من الخارج بالإضافة إلى بعض الشبابيك الجصية فى ذلك الجدار وللمحراب شريط من الكتابة العربية بالخط الثلث الجميل من بينها اسم "سلار" وكذا زخارف نباتيه غاية فى الدقه والإبداع

المنارتين والمحرابين.



وفى العصر العثمانى شهد جامع عمرو بن العاص إصلاحات الأمير مراد بك عام 1212هـ، 1797م وعن ذلك يذكر الجبرتى فى عجائب الآثار فى التراجم والأخبار  (لما رأى الأمير مراد بك خراب جامع عمرو وسقوط سقوفه فخطر بباله تجديده وأنفق عليه أموالًا عظيمة فأقام أركانه وشيد بنيانه ونصب أعمدته وبنى به منارتين وهما الباقيتان إلى الآن وفرشه جميعًا بالحصر الفيومى وعلق به قناديل وأثبت مراد بك تاريخ هذه العمارة فى ألواح تاريخية فوق الأبواب الغربية والمحرابين الكبير والصغير برواق القبلة) ولما دخلت الحملة الفرنسية مصر جرى على مسجد عمرو ماجرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذت أخشابه، وفى جدار القبلة يوجد محرابان يرجعان إلى عهد مراد بك.





ضريح عبد الله بن عمرو

يقع فى الركن الشمالى الشرقى برواق القبلة ضريح ينسب للصحابى الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص الذى توفى ودفن فى داره عام 65هـ عندما قدم الخليفة الأموى مروان بن الحكم إلى مصر لاستخلاصها من والى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهرى من قبل عبد الله بن الزبير لما بويع بالخلافه فى مكة المكرمة.



ويذكر الكندى فى كتاب الولاة والقضاة (فلم يستطع أحد أن يخرج بجنازته الى المقبرة لشغب الجند على الخليفه مروان بن الحكم فدفن بداره) وكانت دار عبد الله مجاورة لدار والده عمرو بن العاص وهما بالجهة الشرقية ناحية رواق القبلة للمسجد بحدوده القديمة وكان بينهما وبين المسجد طريق لعبور المارة وذكر إبن تغرى بردى فى كتاب النجوم الزاهرة أنه فى عام 93هـ قام الوالى قرة بن شريك بعمل زيادة للمسجد من جهتة الشرقية فأخذ بعض دار عمرو بن العاص وابنه عبد الله فى المسجد وأخذ منهما الطريق الذى بين المسجد وبينهما وظل قبر عبد الله بن عمرو مجهول الإسم والمعالم لأنه لم يكن من المعهود ولا من المقبول دفن الموتى داخل المساجد حتى العصر العثمانى فقام الأمير مراد بك بعمل عمارة كبيرة بالمسجد فلعله أراد إحياء وجود مقبرة عبد الله بن عمرو داخل المسجد فبنى المقصورة وعليها قبة ويعتاد المصريون صلاة آخر جمعة فى رمضان بمسجد عمرو بن العاص إحياءً لذكرى مؤسس الجامع الذى توفى ليلة عيد الفطر أى فى آخر أيام رمضان.


ونشكر الخبير الأثرى المتخصص فى الآثار الإسلامية بالقاهرة

  الأستاذ / عماد  عثمان مهران  

على إمداد حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بعدد 18 صورة للجامع قبل وبعد الترميم .


google-playkhamsatmostaqltradent