اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

عن الأدب و النقد

 عن الأدب و النقد





بقلم - مؤمنات اللحام


يَفرض علينا الحديث عن النقد الأدبي البدءَ بتتبُّع الجانب المفهومي باعتباره يُشكِّل جوهرَ أي بحث أو دراسة، ومن هذا المنطلَق سنعمَل هنا على الكشف عن الدلالات التي يَحملها مفهوما الأدبِ والنقد، مُحاولين الإجابةَ عن السؤال: ما الأدب؟ وما النَّقد؟ وما وجه العلاقة بينهما؟

- في تحديد مفهوم الأدب:

غالبًا ما توظَّف كلمة (أدب) دون التفكير في تحديد دلالاتها وتوضيح معالمِها، وكأن المعنى الذي تَحمله معروف لا يتضمن أي إشكال، والحال أن للكلمة تاريخًا طويلًا تطوَّر فيه معناها.

فإذا كانت أغلب الدراسات التي تناولت المفهوم عند العرب تُشير إلى أنه لم يَرِدْ في العصر الجاهلي، فإن للكلمة حضورًا في صدر الإسلام للدلالة على التهذيب والخُلق الحسن، وكذا التثقيف والتعليم، استنادًا إلى ما ورد في الحديث الشريف، حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أدَّبني ربي فأحسَن تأديبي)).

غير أن شيوعَ استِعمال لفظ (أدب) كان خلال العصرين الأموي والعباسي، وقد ورَدَ بمعانٍ مختلفة؛ إذ استعمل بدايةً بمعنى التعليم بطريق الرواية، وأُطلق لفظ المؤدِّب على الذي يوكل إليه تعليم أبناء الخاصة وهو مِن أصحاب العلوم والبيان، كما أُطلِقت كلمة (أدب) على العلم بالشعر والأنساب والأمثال والأخبار، فظهرت علوم اللغة ووُضعت أصولها، وأُدرجت هي الأخرى في باب الأدب، إلى أن نمَتْ واستقل بعضها عن الآخر، ليَقتصر معنى التأدب خلال فترة لاحقة على المأثور من الشعر والنثر. بينما ذهب "عز الدين إسماعيل" - مستندًا إلى ما ورَدَ عن "هدسن" - إلى أن الأدب تعبير عن الحياة وسيلتُه اللغة، مضيفًا أنه لا يَنقل الحياة حرفيًّا بقدر ما ينقُل إلينا فهمَ الأديبِ للحياة من خلال تجارِبه الشخصية؛ ليُحقِّق المُتعة أو المنفعة التي قال بها "هوراس" مند أمد بعيد، ومؤكدًا في الآن نفسه أنه ثمَّة أربعة عناصر تشترك في تكوين العمل الأدبي، تتحدد في: العنصر العقلي، والعنصر العاطفي، وعنصر الخيال، والعنصر الفني أو عنصر التأليف والأسلوب 


- في تحديد مفهوم النقد:

ينبغي التأكيد بدايةً على أن النقد ملازم للأدب، على أنه غير سابق عليه؛ ذلك أنه يُعتبَر ضربًا من المعرفة والتعليق والحكم والتقييم للعمل الأدبي، فإذا كان الأدب نشاطًا إبداعيًّا خلاقًا، فالنقد فعالية وقراءة لهذا النشاط.

وقبل الخوض في تحديد الدلالة الاصطلاحية للنقد، نبدأ بالإشارة إلى المعنى اللغوي الذي تحمله الكلمة في القاموس والمعجم، فقد ورَدَ اللفظُ في "لسان العرب" بدلالات مختلفة؛ فهو خلاف النَّسِيئَة، والنقد والتنقاد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، كما قد يحمل معنى العيب والتجريح؛ إذ ورد عن أبي الدرداء قوله: "إن نقدت الناس نقدوك، وإن تركتهم تركوك"، ونقَدَتْه الحية بمعنى لدغته، ونقَد الطائرُ الحَبَّ أخذه واحدةً واحدة، واستعملت بمعنى تعقب الأدباء لرصد أخطائهم والتشهير بها حتى لا يقع فيها الآخرون، ولعلَّ هذا ما جعل الدلالة السائدة للَّفظِ عند المهتمين من العرب بالشعر تمييزَ جيِّد الشعر من رديئه، وهو معنى يناظر المعنى اللغوي الأصلي "تمييز صحيح الدراهم من فاسدها".

يُمكن الحديث عن النقد دون الإشارة إلى ارتباطه بإطار نظري وخلفية معرفية تفرض على الناقد الاستناد إلى منهج وطريقة مخصوصة للتعامل مع الإبداع الأدبي، الأمر الذي يَفرض علينا أن نتساءل: هل النقد علم أم فنٌّ؟ وهل بالإمكان معالجة الأدب من زاوية علميَّة؟

أخيراً

إن النقد الأدبي - على حدِّ تعبير "أحمد الشايب" - "يقف موقفًا وسطًا بين العلم والفن بمعناهما الدقيق، أو هو فنٌّ مُنظَّم... فلا فائدة لقوانين نقدية لا تبعث فينا شعورًا بجمال الأدب لأن غاية الأدب جمالية قبل أن تكون أي شيء آخر.


google-playkhamsatmostaqltradent