معاني الحب بين الأجداد والأحفاد
كتب - د.عبد الرحيم ريحان
انتشرت الأمراض القلبية من الحقد والغل والكراهية، وذلك لأنها منافية للفطرة التي خُلقنا بها، ومحبة من الله لآدم خلق له زوجته حواء، فأصبح ميزان الحب في الكون رجل وإمرأة، فالحب في البيت يخلق المودة والسكينة، ويخرج أبناء أسوياء، ويكّون مجتمع قوي نفسيًا لا يقدر أحد على استغلاله أو غسيل مخه.
ومن هذا المنطلق نخوص في أعماق الحب عند المصري القديم مع الدكتورة هناء سعد المتخصصة فى الآثار المصرية القديمة
وترصد الدكتورة هناء سعد دلائل التماثيل التي مثلث الحب ما بين الرجل والمرأة في الحضارة المصرية القديمة، فلى سبيل المثال لا الحصر تمثال مزدوج للملك تحتمس الرابع مع أمه، وهو معروض بالمتحف المصري والذي يمثل الملك جالسًا على العرش مع أمه الملكة (تيا)، ويلتف ذراع كل منهما حول خصر الآخر دليل المودة والحب بينهم. وتمثال الملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي بالمتحف المصري والذي يمثل الملك والملكة ويلتف ذراع كل منهما حول خصر الآخر دليل المودة والحب أيضًا.
وهناك أيضًا التماثيل التي أظهرت إخناتون مع زوجته وبناته والتي تعكس الحب والمودة في القصر الملكي وإنسانية الملك، فهناك تمثال يصور الملك إخناتون وزوجته الملكة نفرت إيتي والمعروض بمتحف اللوفر، والذي يمثل الزوجين يقف كل منهما إلى جانب الآخر، ويمسكان بأيدي بعضهما، وينظران إلى الأمام كما لو كانا يتمشيان معًا، وكذلك تمثال يصور إخناتون وهو يقبّل ابنته (مريت آتون)، هذا بالإضافة إلى نقش عثر عليه بتل العمارنة، ومعروض بمتحف برلين، وهو نقش فريد من نوعه، حيث نرى فيه مشهد من الحياة الخاصة للملك والملكة، فنري إخناتون ونفرت إيتي وهم يداعبون ثلاثة بنات من بناتهم الستة.
وتنوه الدكتورة هناء سعد إلى أن النقوش المصرية القديمة والتماثيل تعكس معانى الحب فى أجمل صورها فهناك النقش الذي يمثل الملك توت عنخ آمون وزوجته
(عنخ إس إن با أتون)، والتي تظهر الملكة واضعة يدها على كتف زوجها، والأكثر إبداعًا هو تمثيل الملك بفردة حذاء واحدة والفردة الثانية في قدم الملكة، نقش ينطق بمدى التكامل والحب بين الرجل والمرأة.
وتماثيل الأفراد والتي منها على سبيل المثال لا الحصر تمثال القزم سنب وزوجته وأبنائهم، وتمثالا رع حتب وزوجته نفرت، وتمثال ل "يوني وزوجته" بمتحف المتروبوليتان (عصر الملك سيتي الأول) بل امتد الحب لأكثر من هذا، فنجد تمثال لشخص يدعى (أوخ حتب) من عصر الملك (سنوسرت الثالث)، ويجمع عائلته المكونة من زوجتين وابنته في تمثال واحد، بل وتسمى زوجته الثانية ابنتها على اسم ضرتها التى لم تنجب.
بل إن كافة النصائح الأدبية التي وصلتنا من آني وبتاح حتب وغيرهم تحث على مدى الحب والمودة بين الرجل وزوجته، بين الإبن وابيه، بين الأم وابنتها، كأن المصري القديم يوجه لنا رسالة حب
فجميع ما وصل إلينا من نقوش وتماثيل مصر القديمة من ملوك وعامة الشعب تظهر أن الملك لم يخجل من تمثيله لحبه ومودته لعائلته، وأحب أن يظهر ذلك أمام خالقه عند بعثه.
وإذا جئنا لأحفاد هؤلاء العظماء الآن سنجد الزوج يستحي أن يعبر لزوجته عن مشاعره ولا يستحي من إهانتها، وينشغل في عمله أو على الفون بكافة تطبيقاته وينسي أن يحضن ابنته أو ابنه، يظل طول الوقت خارج البيت وعندما يأتي للبيت لا يريد سماع شىء عن أحد ولا يكلم أحد فحدثت عزلة داخل الأسرة وضاعت الرحمة والإحساس بالآخر داخل بيت واحد. فظهر لنا ما يعرف بالخيانة الإلكترونية، فأصبحنا نتلصص من وراء شاشة فون على كلمة تقدير أو حب زائف يروى ما بنا من هشاشة نفسية، فزادت نسبة الطلاق والفرقة حتى بين أفراد الأسرة نفسها.
فلعلنا ننتهز فرصة عيد الحب لنعيد الوئام بين الأسرة ونجمع شتاتها على مائدة واحدة هى العنصر المشترك فى جميع مسلسلاتنا وتحمل معانى كثيرة فهى وجبة المحبة التى تلتقى عندها الأسر لتتناقش فى أمورها وتحل مشاكلها على المائدة المستديرة أو المستطيلة حتى لا يعيش كل فرد داخل نفسه يحتكم إلى ويحكمه موبايله الخاص الذى يدخله فى عوالم من الوهم .