الغضب
بقلم : دكتور إبراهيم خاطر
الغضب من الغرائز الموجودة في الإنسان الطبيعي مثل بقية الغرائز الأخرى ، وقد جاء الإسلام لتهذيب الغرائز وليس لهدمها
وقد ورد في التراث الإسلامي الكثير من الأحاديث التي تتعلق بالغضب ووردت بروايات متعددة منها : [عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً قال للنبي صل الله عليه وآله وسلم
أوصني قال: لا تغضب، فردد مراراً
قال: لا تغضب) رواه البخاري]
فالنبي صل الله عليه وسلم تحقيقاً لرغبة السائل لم يكثر، فقال: (لا تغضب) ، فكأن لسان حال السائل يقول: أهذه الوصية التي جئت من أجلها، وتعبت لأسألك، وأهتم لذلك، ثم تقول لي: (لا تغضب) ، فكرر:
(يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب)
وفي بعض الروايات أنه جاءه عن يمينه ثم جاءه عن يساره ثم جاءه من أمامهم
قال: (ألا تعقل! لا تغضب) ، وفي بعض الروايات أنه قال: أوصني، علمني حسن الخلق، فقال: (لا تغضب) ، وكل الروايات جاءت بالتأكيد على عدم الإكثار
فقال: (لا تغضب) فهذه كلمة كل من يسمعها يتقالها، وفي بعض الروايات أن السائل قال: (فتأملت في الغضب فوجدت تركه ترك الشر كله)
وفي بعض الروايات: (فتأملتها فإذا هي جامعة الخير كله) ، ومن هذا يتضح أن الإسلام يولي الغضب إهتماما كبيرا لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع فالإنسان في حالة أغضب يكون حاد التصرف وسئ الطبع والسلوك يؤذي كل من حوله من إنسان وحيوان وجماد وقبل كل ذلك فهو يؤذي نفسه فمن الناحية الطبية ،إن الإنفعالات الشديدة تؤدي بآليات عديدة - إلى تسرع القلب، والتنفس
وإرتفاع ضغط الدم، ، فالغاضب يرتفع نبض قلبه إلى مئة وستين نبضة، ومع إرتفاع الضغط هناك خطر نزيف في الدماغ، وخثرة في الدماغ تعني الشلل
أو جلطة في القلب، أو عمى مفاجئ
وقد رأينا هذا في حياتنا العمليه هذه الآثار الناجمة عن الغضب والإنفعال ،بالإضافة أن للغضب والإنفعال علاقة مباشرة بأمراض السكر وتصلب الشرايين وله تأثير شديد في إضعاف المناعة لدى الإنسان ، والذي يؤدي بدوره إلى إصابة الإنسان ببعض الأمراض الخطيرة بسبب ضعف المناعة ،لذلك في بعض الروايات:
(لا تغضب فإن كثرة من في القبور من الغضب)، ويعني أن الغضب أورد أصاحبه القبور وأيضا أورد من أصابهم نتيجه غضبه القبور , فكم من رجل قتل أخر عندما فقد أعصابه ولم يضبط نفسه ، لذلك يقولون أن الحلم سيد الأخلاق ،وهناك حديث (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب) ، يكبح جماح نفسه بالصبر عن أن يندفع للإنتقام، وكل إنسان يمر بحالات نفسية، فإذا صبر الإنسان، وتأنى لحظات، وبرهة من الزمن؛ كان هذا الصبر ضياء يكشف له الحقائق، ويبين له طريق الإحسان، ويوضح له المخرج من ذلك المأزق.وهذا الصبر لا يناله إلا الاقوياء المؤيدون من ربهم .
ويقول الله تعالي :
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).. كما أن ضبط النفس يعد من رجاحة العقل، يقول الحق سبحانه (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).
والغضب في الإسلام كما اتفق العلماء ليس كله مرفوضا ولا محظورا، فهناك غضب يحاسب الإسلام على تركه، وهو الغضب رفضا لإنتهاك الحرمات.. لكن الغضب الذي ينهى عنه رسول الله صل الله عليه وسلم هو عدم التحكم في النفس وتركها تتحكم في الإنسان، وتوجه تصرفاته، وتسبب له أضرارا كثيرة، وتدفعه إلى الإساءة للآخرين.
ولكي يضبط الإنسان غضبه عليه أن يحدد ماله وماعليه وماهي حدود الآخرين معه
كما يلزمه أن يكون متواضعا ولديه ثقه بنفسه كما ذكر علماء النفس .
وقد أوضح علماء الإسلام أيضا طرق التعامل معه كما جاء في القرآن الكريم وصحيح السنه النبوية ومنها
أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يتذكر فضل الحلم وكظم الغيظ والصبر ،أن يغير الحالة التي كان عليها
اذا كان قائما فليجلس وإذا كان جالسا فليضجع ، أن يغتسل ويتوضأ فإن الغضب من الشيطان والشيطان من النار
والماء يطفئ النار ،وأن يتذكر قدرة الله عليه .