نور الحياة
كتب : جمال مختار
لطالما سعى الإنسان وراء شعاع نورٍ يراه دائمًا في الأفق البعيد، ثم يقترب منه شيئًا فشيئًا، من دون أن يتحقق أهو نورٌ خافتٌ هادئٌ يؤتمن، أم وهجٌ ساطعٌ عليه أن يحترس منه.
لكن، بين كلا الشعورين، لا يسعنا إلا أن نجزم بأن كل الكائنات تتجه دائمًا نحو النور، حتى في أشدّ الليالي ظلمة، لأن للنور أشكالًا عدّة:
هناك نور الدفء، ونور السكينة، ونور المأوى ونور الغد، بل وحتى نور الحرائق المدمّرة.
وإذا توقفنا عند كل شكلٍ من هذه الأنوار على حدة، نجد أننا دائمًا نسعى إليه، لكننا لا نذكره
ولا نحتفل به، مع أنه كاسر الظلام الوحيد في حياتنا.
عندما ينقطع النور في الحي، أرى دائمًا من يهلّلون فرحًا هم الأطفال لا الكبار، وهذا من منظوري أمر واقعي، لأن الصغار على فطرتهم يعلمون أن النور هو تجسيد المعنى المجرد للحياة.
لنتخيّل لحظةً حياةً من دون نور
سوف نجدها حياةً بلونٍ واحدٍ لا يتغيّر.
حتى الألوان نفسها لن نفرّق بينها من دون نور
فمن دونه لا يأتي نهار، ولا يذهب ليل،
ومن دونه لا نرى الضحكات العابرة، ولا الابتسامات الملتبسة بين الفرح والألم.
من دون نور لا نجد ما يحلو لنا، ولا ما طابت به أيدينا.
أحيانًا نظن أننا نريد الظلام تحت مسمّياتٍ عدّة لكننا في الواقع نذهب إلى الظلام المدقع لنبحث فيه عن بصيص نور.
كلٌّ منّا يرى النور يوميًا ويستفيد منه قدر استطاعته، لكنه يعتبره من المسلّمات، فيُهمله ويتجاهله، مع أن غيابه يعني حياةً بلونٍ واحدٍ بلا تغيير، يشبه ليلها نهارها.
ولا يدرك قيمة ذلك إلا من فقد بصره فأصبح أعمى البصر، أما نحن فكثيرٌ منّا أصبح أعمى البصيرة.
حتى عندما يقابل أحدنا "نوره الخاص" متجسدًا في شخصٍ ما،
إما يراه شيئًا معتادًا لأن وجود النور أصبح مألوفًا لديه،
أو يراه وسيلةً لتحقيق غايته ثم يتركه، منتظرًا نورًا آخر.
لقد اعتدنا أن نربط بين العمل والشقاء وبين النور،
ونرى في الظلمة راحةً وسكونًا
لكن لو نظرنا أبعد قليلًا، لوجدنا أننا نخلد إلى النوم في الظلام، أي إلى الحالة الأقرب إلى الموت،
أما في النور فنذهب إلى العمل والحركة، أي إلى الحياة.
لذلك، حيثما وُجد النور، وُجدت الحياة
وحين نخلد إلى النوم في الظلام الخادع، فليكن في علمنا أن هناك نورًا يشقّ الظلام ليضيء لنا حياة الغد.
إن كنت تظن أنني أتحدث عن النور المحيط بنا فأنت مخطئ.
أنا أتحدث عن نورٍ يأتي من الظلام ليضيء حياةً أنهكها الليل.

