نبضات الحيرة
بقلم : الكاتب جمال مختار
صباح الخير على كل من مرَّ عليه شعورٌ يجمع بين الراحة والقلق، والاطمئنان والريبة، والرغبة والحذر.
إنه لأمرٌ محيِّر حقًّا.
وكيف لا؟
وقد حيّر هذا الشعورُ سلطانَ الطرب جورج وسوف نفسه حين قال:
«يا بختك يا اللي صاحي الليل ما دام كان السبب واحدة
ومين يقدر ينام الليل وهو خياله مع واحدة؟»
هذا الشعور الذي وصفه سلطان الطرب أراه متبادلاً بين الرجال والنساء، إلّا أنه في ظنّي
أكثر انتشارًا عند الرجال.
فالرجل، وخصوصًا في المجتمعات الشرقية يتوجّب عليه أن يظهر دائمًا بمظهر القويّ المتماسك حتى في أحلك الظروف.
وهذا ما يجعله نادرًا ما يبوح، بل يسرف في الكتمان حتى ينسى كيف يبوح.
فيديو متحفّظًا، بل ومتخوّفًا من الاقتراب من أي شعور قد يُضعف تلك الهالة التي رسمها لنفسه.
لكنّه أحيانًا يجد من تقتحم عليه تلك الزنزانة المحصّنة؛ فتقترب إحدى المحاربات لتكسر الحصار الذي فرضه على نفسه، فتمنحه الاهتمام
وتنصت إليه، وتدلّل الطفل الكامن في أعماق شخصيته؛ ذلك الطفل الذي لم يُسمح له بالخروج إلا أمام فارسة واحدة.
هي تلك المحاربة المغوارة التي جعلت منه آلةَ قيثارةٍ تعزف على أوتارها أجمل لحنٍ تتوق آذانه إلى سماعه، ويرقص قلبه على مقاماته، حتى تضغط نبضاته على أضلاعه؛ فرحًا تارةً، وحيرةً تارةً أخرى.
وبين هذا وذاك، يمرّ به العمر ليزداد به صغرًا! فبدلًا من أن تظهر عليه ملامح النضج ثم الشيخوخة، تعود إليه ملامح الشباب ثم الطفولة.
وتلك هي المرأة، أيها السادة. يمكنها أن تكون ساحرة الجنوب التي تقلب لك موازين اللعبة في لحظة واحدة، فتجعل منك عصفورًا حرًّا طليقًا ينعم برياحٍ هادئةٍ مطمئنة.
ويمكنها في المقابل أن تكون لك ساحرة الموت البطيء، فتجعلك أيضًا عصفورًا لكن لا حرًّا ولا طليقًا، تذروك أعاصير العواصف العاتية.
ومع ذلك فكلٌّ منّا يشتاق إلى ساحرة الجنوب خاصّته.
وبكل صراحة كل رجل يبحث عنها.
حتى أنا.
لكنّي اصطدم بالواقع دائمًا وهو:
أنني أسرفتُ في الكتمان حتى نسيتُ كيف أبوح.
غيرَ أنّي ما زلتُ أبحث عنك.

