لا صوت يعلو فوق صوت المعركة: مصر في زمن التحديات
كتب؛ محمود فوزي
"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"
عبارة خالدة ارتبطت في أذهان المصريين بفترة حاسمة من تاريخهم، حيث كانت الأمة تتأهب لخوض معركة مصيرية ضد عدو محتل. واليوم، وبعد مرور عقود على هذه الفترة، يبدو أن مصر تمر بظروف لا تقل صعوبة أو خطورة، بل ربما تفوق في تعقيداتها تحديات حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر. فبينما كانت المعركة آنذاك واضحة المعالم، يواجه الوطن اليوم جبهات متعددة ومتشابكة تتطلب وعيًا ويقظة ودعمًا غير مسبوق.
إن التحديات التي تمر بها مصر حاليًا ليست عسكرية فقط، بل هي اقتصادية وسياسية واجتماعية أيضًا. فمن الأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر على كافة الدول، إلى الصراعات الإقليمية التي تفرض ضغوطًا كبيرة على الحدود المصرية، مرورًا بالتحديات الداخلية التي تتطلب جهودًا مضنية لتحقيق التنمية والاستقرار، كل هذه الظروف تضع الأمة على المحك.
وفي ظل هذه الظروف الدقيقة، يصبح التكاتف الوطني ضرورة ملحة وواجبًا مقدسًا. فالدولة المصرية بجميع مؤسساتها، وعلى رأسها القيادة السياسية والجيش الوطني، تحتاج إلى دعم ومساندة شعبية حقيقية. إنها لحظة تاريخية تتطلب من الجميع تنحية الخلافات جانبًا، وتوحيد الصفوف خلف مصلحة الوطن العليا. فالأمة التي تفتقد تكاتف أبنائها في أوقات الشدة، تصبح فريسة سهلة للأعداء والمتربصين.
لذلك، يجب على كل مواطن مصري أن يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه. ليس المطلوب مجرد التأييد اللفظي، بل المطلوب هو تقديم كل الدعم والمساندة للجهود المبذولة من أجل حماية الوطن وتحقيق مستقبله. إن الجيش المصري، الذي هو درع الأمة وسيفها، يحتاج إلى ثقة ودعم الشعب لكي يؤدي واجبه المقدس في حماية الحدود وتأمين البلاد. كما أن القيادة السياسية التي تعمل في ظروف بالغة التعقيد، تحتاج إلى تفهم وتأييد شعبي لكي تتمكن من اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة التي تخدم مصلحة الوطن.
إن التكاتف خلف القيادة السياسية والجيش ليس تنازلاً عن الحقوق أو إهمالاً للواجبات، بل هو إدراك واعٍ أن أمن الوطن واستقراره هو الأساس الذي تُبنى عليه كل المكتسبات. فلا تنمية اقتصادية، ولا تقدم اجتماعي، ولا حريات فردية يمكن أن تتحقق في ظل دولة ضعيفة أو غير مستقرة.
في الختام، إن مصر اليوم في معركة لا تقل شراسة عن معاركها السابقة، بل ربما تفوقها تعقيدًا. وإذا كان التاريخ قد علمنا شيئًا، فهو أن المصريين، حينما يتحدون ويتكاتفون، يستطيعون أن يتغلبوا على أي صعاب، وأن ينتصروا في أي معركة. فالأمر اليوم يتطلب أن يكون صوت الوطن هو الصوت الوحيد الذي يعلو، وأن يكون التكاتف هو السلاح الذي لا يُهزم.
