عندما تضيع البوصلة : مجتمع بلا قيم ومدرسة بلا بوصلة
كتب - محمود فوزي
فقدان القدوة والقيم هو أزمة صامتة تتسلل إلى نسيج المجتمع، لتُحدث فيه شرخًا عميقًا. عندما ينشغل المجتمع بأكمله عن غرس المبادئ والأخلاق وتتخلى المؤسسات عن دورها التربوي، تظهر نتائج ذلك جلية في سلوك الأفراد وتدهور الأخلاق العامة.
لقد باتت هذه الأزمة واقعًا يؤثر على كل جوانب حياتنا، ويقود إلى انحطاط قيمي يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
وزارة التربية والتعليم: من التربية قبل التعليم إلى التعليم بلا تربية.
في الماضي، كان شعار
"التربية قبل التعليم"
يوجه عمل وزارة التربية والتعليم.
كان الهدف الأساسي هو بناء شخصية الطالب وإعداده ليصبح فردًا صالحًا ومواطنًا مسؤولًا، إلى جانب تحصيله العلمي.
لكن اليوم، يبدو أن هذا الشعار قد أصبح مجرد حبر على ورق. لقد تحولت المدارس إلى مجرد أماكن لتقديم المعلومات النظرية، وأصبحت الامتحانات هي الغاية الأسمى، بغض النظر عن طريقة تحصيلها.
أُهملت الأنشطة التي كانت تُنمّي المهارات الاجتماعية والأخلاقية لدى الطلاب، وأصبح الاهتمام ينصب فقط على المناهج الدراسية ونتائج الاختبارات.
هذا التحول أدّى إلى تخريج أجيال تملك شهادات عالية ولكنها تفتقر إلى الحس الأخلاقي والاجتماعي، مما يساهم في انتشار السلوكيات السلبية وضعف الوعي المجتمعي.
الدولة ووعي الأفراد: غياب الدور التوجيهي
الدولة لها دور حيوي في نشر الوعي التربوي والثقافي، فوسائل الإعلام الحكومية والبرامج التثقيفية كان لها تأثير كبير في بناء الوعي العام.
لكن اليوم، تخلت الدولة إلى حد كبير عن هذا الدور التوجيهي، وتركت الساحة مفتوحة أمام الفوضى الإعلامية ومحتوى الإنترنت الذي لا يخضع لأي رقابة أو ضوابط.
إن عدم وجود إطار واضح لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أتاح المجال لانتشار المحتوى الهابط والمضلل الذي يشوّه القيم ويُسهم في تفكيك الأسرة والمجتمع.
أصبح الشباب عرضة لموجات من الأفكار والسلوكيات المستوردة التي لا تتوافق مع ثقافتنا وقيمنا، مما أضعف هويتهم وزعزع ثقتهم في مجتمعهم.
الأسرة: البحث عن الرزق يطغى على التربية
الأسرة هي حجر الزاوية في بناء القيم والأخلاق، لكنها تواجه تحديات كبيرة اليوم.
أدى الضغط الاقتصادي المتزايد إلى انشغال رب الأسرة وربّتها بتوفير متطلبات الحياة، حتى بات هذا هو همّهم الوحيد.
هذا الانشغال المفرط بالمال أدى إلى إهمال الدور التربوي الأساسي للأسرة وهو الجلوس مع الأبناء، والاستماع إليهم، وتوجيههم، وغرس القيم فيهم.
أصبح الأطفال يجدون قدوتهم في الشاشات الافتراضية بدلاً من آبائهم وأمهاتهم.
هذا الفراغ في التوجيه الأسري أدى إلى اضمحلال القيم الاجتماعية وانتشار الأنانية، وضعف الروابط العائلية، مما يترك الشباب فريسة سهلة للانحرافات السلوكية والفكرية.
الشباب: بين التوهان والفساد
إن فقدان القدوة الحسنة على كافة المستويات، سواء في المدرسة أو الإعلام أو الأسرة، أدى إلى توهّان الشباب وضعفهم.
لقد أصبحوا بلا بوصلة أخلاقية يقلدون نماذج تافهة ولا يجدون من يوجههم نحو الإنجاز الحقيقي والقيم النبيلة.
هذا الفراغ الأخلاقي أدى إلى انحطاط الأخلاق وانتشار الفساد بمختلف صوره، من غش في الامتحانات إلى سلوكيات غير مقبولة في الحياة العامة.
إن ضعف الشباب اليوم ليس سببه ضعفًا ذاتيًا، بل هو نتاج مجتمع فشل في تقديم القدوة الصالحة ومؤسسات تخلت عن دورها التربوي، ودولة غابت عن التوجيه، وأُسر انهكتها متطلبات الحياة.
إن العودة إلى المسار الصحيح تتطلب جهودًا مشتركة من الجميع.
يجب على الدولة أن تعيد للتربية مكانتها، وعلى الأسرة أن تستعيد دورها في غرس القيم، وعلى المجتمع أن يقف وقفة جادة لإعادة بناء ما تهدم.
فالبوصلة الحقيقية لأي مجتمع هي قيمه وأخلاقه، وبدونها سنبقى تائهين في بحر من الفساد والانحطاط.
