recent
أخبار ساخنة

احتراق الفراشات : العِلم والإنسانية في مواجهة التطرف والجهل

مكتب التحرير
الصفحة الرئيسية

احتراق الفراشات : العِلم والإنسانية في مواجهة التطرف والجهل



احتراق الفراشات

رواية للدكتور سليمان عوض

تعليق: د. سعدية العادلي


ينتمي الدكتور سليمان عوض إلى قرية نوب طريف التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية.




حصل على بكالوريوس الطب والجراحة عام 1979، ثم ماجستير جراحة المسالك البولية عام 1987.


قرأ منذ سن مبكرة لكبار الكتّاب والأدباء والشعراء. 

وكانت أولى محاولاته في كتابة القصة القصيرة أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية. 

ثم التحق بكلية الطب، وحظي إنتاجه الشعري بإشادة الدكتور عبده عبد العزيز رئيس قسم اللغة العربية وأستاذ النقد الأدبي بكلية التربية  جامعة المنصورة.


أخلص لعمله الطبي فانشغل بمرضاه فابتعد عن الكتابة، لكنه لم ينقطع عن قراءة الشعر والأدب. 

وحين بلغ سن المعاش عاد إلى قلمه فأصدر ديوان "قلب وناي" عام 2008 ثم رواية "أمنية" عام 2017، ورواية "حلم عفت الصياد" أواخر 2017، ثم رواية "احتراق الفراشات" عام 2019.


صدرت رواية احتراق الفراشات في 225 صفحة من القطع المتوسط.

وقد وُفِّق الفنان في تصميم الغلاف الأمامي باللون الأسود الذي غلب على الوجهين الأمامي والخلفي، بما يرمز إلى الظلم والجهل والظلام والفقد.

 وفي مساحة صغيرة وُضعت صورة فراشة حمراء مشتعلة بالنيران، جاءت بليغة في التعبير عن مضمون الرواية وأحداثها.


كما وُفِّق الكاتب في اختيار العنوان فالفراشات رمزٌ للجمال والرقة، وهي هنا تحترق لتدل على العذاب والحزن وما تتعرض له البطلة.


البطلة هي الدكتورة إيمان: فتاة جميلة متديّنة، حافظة للقرآن، تمتعت بروحانية استقتها من أبيها، وعاشت طفولة بريئة ملائكية، وكان أقصى أحلامها أن تمتلك دراجة مثل أستاذها في طفولته البسيطة.


يوحي الحوار في بداية الرواية، ويؤكد السرد المتتابع هذا الإيحاء، حيث تمتزج الأحداث السياسية بانعكاساتها على الحياة الاجتماعية، وتظهر آثارها واضحة على الطبقة المتوسطة وما دونها، خصوصًا في الأحياء الشعبية والريفية.


تبرز الرواية الاختلاف في المعايير الدينية والاجتماعية بين المرأة والرجل ومدى ما تعانيه المرأة من ظلم وقسوة وانتهاك لإنسانيتها تحت مسميات دينية يبرأ منها الدين.


ويظهر البُعد الإنساني للكاتب جليًا حين تجد البطلة إيمان الحنان والراحة في حظيرة الماشية، وهو ما افتقدته في بيت زوجها الذي جسّد سطوةً وظلمًا.


لقد احترقت الفراشة الرقيقة (إيمان) مرات عديدة:


المرة الأولى: في ليلة زفافها، بما لاقته من معاملة لا إنسانية وانتهاك لكرامتها.


المرة الثانية: حين بقيت في بيت الزوجية ترعى أم زوجها وهي حامل بينما الزوج غائب بلا مبرر.


المرة الثالثة: حين عوقبت بالهجر، وتكرر زواج زوجها منها إمعانًا في إذلالها والانتقام منها.



والكاتب على دراية عميقة بالبعد النفسي للمرأة ودورها؛ فهي قد تبدو ضعيفة لكنها قادرة:


التحقت بكلية الطب ونجحت.

أدارت الكُتّاب حتى صار مدرسة تنافس مدارس القرية.

أنجبت ابنتها (أمل) التي أسعدتها فترة من الزمن.

حققت حلمها الطفولي باقتناء دراجة مثل أستاذها.

لكن القدر لم يمهلها؛ فقد اختُطفت أمل وهنا يتخذ اسم "أمل" دلالات رمزية واسعة:

فهل هي ابنة حقيقية من زواج إيمان بإبراهيم؟ أم هي رمز للتفاؤل والحلم الذي ضاع؟ أم أن إيمان هي الوطن (مصر) بكل ما مرّت به من معاناة وتحديات، ومع ذلك يبقى البحث عن الأمل قائمًا؟


بهذه الدلالة الذكية اختتم الكاتب روايته التي كتبها عام 2019، ولا يزال الأمل مفقودًا نبحث عنه حتى اليوم.



جاءت الرواية بأسلوب سهل، رقيق جذاب. ورغم وضوح السرد وبساطته فإنه غني بالعبارات اللافتة، مثل:


(ص 26): "وهل هناك علم مؤمن وعلم كافر؟"

(ص 179): "وإذا ذُكرت الملائكة فلا بد من ذكر الشياطين، فليس هناك ملائكة دون شياطين تهدم ما يُبنى وتفسد ما يطيب."

(ص 181): "تفتحت كل أزاهر الحياة وأنا أرى وجه أمل يطل من شفتي الدكتور إسلام."



عدد الشخصيات في الرواية محدود فجاءت الأحداث واضحة تنساب في عذوبة ورقة تجذب القارئ دون ملل.


بحثت عن الإهداء فلم أجده، وعن اسم الفنان الذي رسم الغلاف أو اختاره فلم أجد له أثرًا أيضًا. 

فهل قلم الكاتب  باعتباره طبيبًا جراحًا  كان مشرطًا يعالج بلا وصفة وبلا مقدمات؟! ربما وهذه من أسرار النص وعلاماته.


ختامًا، شكرًا لصديقي وأخي الدكتور سليمان عوض، فقد أسعدنا بالابحار معه عبر عوالم الوجودية والرمزية والإنسانية.

google-playkhamsatmostaqltradentX