شهداء الكهف المصري: ملحمة الصمود في عمق سيناء (أبريل 1969)
كتبت /منى منصور السيد
تُعد قصص عمليات قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف (1967-1973) أيقونات للفداء والصمود، ومن أبرز هذه الروايات المتواترة قصة "شهداء الكهف المصري"، التي تروي بطولة مجموعة من الأفراد آثروا الشهادة على الاستسلام في قلب سيناء المحتلة.
في أبريل عام 1969، انطلقت مهمة نوعية من سفاجا باتجاه العمق الإسرائيلي في سيناء، وتحديداً في محيط سانت كاترين. كان الهدف المحدد للمجموعة، المكونة من عشرة ضباط صاعقة (حسب الرواية)، هو تحقيق هدفين مزدوجين: تدمير قاعدة صواريخ إسرائيلية وإحضار رأس صاروخ لتمكين القيادة المصرية من دراسة تكنولوجيته العسكرية. هذه المهام كانت سمة مميزة لتلك الفترة التي اعتمد فيها الجيش المصري على الإغارات الجريئة لكسر شوكة العدو وتجميع معلومات استخباراتية.
نجحت المجموعة في اختراق خطوط العدو، مستعينة بكلب مُدرب للكشف عن الألغام. وبعد تحديد موقع القاعدة، نفذوا عملية النسف التي أوقعت خسائر جسيمة في صفوف القوات الإسرائيلية. بعد التنفيذ، بدأ الأبطال بالانسحاب إلى كهف سري في جبل كاترين. إلا أن الرد الإسرائيلي كان عنيفاً ومكثفاً، حيث حوصر الجبل بالكامل واستُخدم القصف الجوي المركز لمدة أسبوعين متواصلين في محاولة للقضاء على المنفذين.
الصمود في العزلة والتوثيق المتأخر
داخل الكهف، بدأ الأبطال ملحمة صمود ضد القصف والجوع والعطش. فقد نفدت إمداداتهم بالكامل، ورغم الإصابات التي تعرض لها البعض أثناء الانسحاب، رفضوا الاستسلام أو الخضوع. تروي القصة أنهم استشهدوا تباعاً على مدى الأسبوعين، حتى استشهدوا جميعاً.
المشهد الذي وثق هذه التضحية جاء متأخراً في عام 1984م، عندما اكتشف بعض عرب سيناء الكهف. وُجد بداخله عشرة هياكل عظمية بزي الجيش المصري الكامل وأسلحتهم ورأس صاروخ إسرائيلي - وهي القطعة الدالة على نجاح مهمتهم الأولى - بالإضافة إلى كراسة صغيرة يُعتقد أنها كانت تحمل تدويناتهم وحكايتهم. الأهم من ذلك كان الوضع الذي وُجدت عليه الرفات: مرتبة صفاً واحداً وموجهة نحو القبلة وفي وضع النوم على الجانب الأيمن، محتضنين سلاحهم، كدليل على استقبالهم للموت بسلام وشجاعة وإيمان عميق. تم نقل رفات الشهداء لاحقاً ليُدفنوا في مقابر الجيش المصري، تكريماً لبطولتهم.
ضرورة التوثيق الرسمي
على الرغم من الانتشار الواسع والمشاعر الجياشة المصاحبة لرواية "شهداء الكهف"، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى توثيق عسكري مفصل باسم العملية أو أسماء الضباط من مصادر رسمية معلنة للعامة. للحصول على توثيق دقيق، يجب البحث في سجلات الجيش المصري أو الأرشيفات الصحفية لعام 1984 للتحقق من تفاصيل اكتشاف ونقل الرفات.
إن قصة شهداء الكهف المصري تظل رمزاً للتضحية المطلقة ودرساً في العزيمة العسكرية المصرية التي واجهت أعتى الظروف بكرامة وإيمان، وهو ما يرسخها كجزء أصيل ومُلهم من تاريخ حرب الاستنزاف المجيدة.
