آثارنا المنهوبة في ظل غياب حقوق ملكية فكرية للتراث المادي
كتب - د.عبد الرحيم ريحان
تعمد المجتمع الدولى تجاهل حقوق الملكية الفكرية للآثار فوضع القوانين والاتفاقيات الدولية ظاهريًا لحفظ استقرار المجتمع الدولى وباطنيًا لشرعنة الحصول على آثار البلاد صاحبة الحضارات العظيمة ومنها مصر صاحبة أعظم حضارة فى التاريخ.
تجاهل المجتمع الدولى حقوق ملكية فكرية للآثار والتراث المادي باتفاقية حقوق الملكية الفكرية الدولية والخاصة بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية “ويبو” وهي منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة مقرها جنيف ظهرت عام 1967 وتأسست وانطلقت بعد انعقاد مؤتمر باريس للملكية الصناعية والدول الأعضاء 177 دولة منهم مصر.
حقوق الملكية الفكرية
اتفاقية حقوق الملكية الفكرية هي أحد ملحقات اتفاقية التجارة العالمية التربس وملزمة للأعضاء الموقعين عليها وكان التوقيع النهائي على الاتفاقية فى المغرب فى أبريل 1994 وبدأ سريانها فى منتصف 1995، وتعمل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية على تحقيق الحماية الفكرية بوسيلتين: الأولى هي الحصول على تصريح من مالك الحق الفكري، والثانية هي دفع ثمن لهذا الانتفاع وتهدف إلى حماية حقوق المؤلفين والمخترعين والمكتشفين والمبتكرين.
تجاهل الآثار
الأسباب الخفية لعدم تضمين التراث المادى بالاتفاقية هى أن هذه البلدان تستفيد من عرض الآثار المنهوبة من الدول المختلفة بمتاحفها دون أى حقوق مادية أو أدبية لهذه الدول بحجة امتلاكها لهذه الآثار قانونيًا رغم أنها تسوق لها وتروجها وتربح منها المليارات على أنها آثار مصرية كما تستبيح لنفسها بيع هذه الآثار فى المزادات العلنية ومعظم الآثار المصرية فى المزادات العلنية هربت من مصر بسبب الحفر خلسة الذى زادت حدته بعد 2011 في سنوات الفوضى كما تقوم هذه البلدان بتأجير الآثار المصرية الموجودة بمتاحفها لتدر عليها الملايين وتقوم باستنساخ التماثيل واللوحات والمقابر المصرية والمدن المصرية مثل الأقصر والتي تدر الملايين وبالتالي فإن تجاهل الآثار في الاتفاقية يصب في مصلحتها.
مأساة احتراق آثارنا بالبرازيل
نستعرض أكبر مأساة تعرضت لها آثارنا المنهوبة بالخارج من خلال الدكتور قاسم زكى أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة بجامعة المنيا وعضو اتحاد كتاب مصر.
الذى يرصد حريق المتحف الوطني البرازيلي في مدينة ريو دي جانيرو العاصمة الإمبراطورية السابقة للبرازيل. ويُعد هذا المتحف أحد أقدم وأهم المؤسسات العلمية والثقافية في أمريكا اللاتينية حيث أُنشئ عام 1818م واحتفل عام 2018 بمرور مئتي عام على تأسيسه لكن بعد عدة أسابيع قليلة فقط من هذا الاحتفال وفي مساء الأحد 2 سبتمبر 2018 اندلع حريق كارثي دمّر أكثر من 90% من مقتنياته في حادثة وُصفت بأنها من أسوأ الكوارث المتحفية في التاريخ الحديث.
كان المتحف يضم نحو 20 مليون قطعة أثرية من ضمنها آثار مصرية بلغ عددها نحو 700 قطعة وقد دمرت نحو 90% من القطع الأثرية بالكامل ومن ضمنها المجموعة المصرية التي تضم تابوت الكاهنة "شا آمون إن سو" المشهور بجمال ألوانه وزخرفته ويعود للأسرة 23 ومومياء تعود للعصر الروماني وثلاث مومياوات لكهنة آمون ومومياوات لقطط وتماسيح وطائر أبو منجل وأسماك وتماثيل أوشابتي ولوحات جنائزية وتماثيل برونزية للإله آمون.
وكان من أشهر هذه القطع مومياء لأميرة من العصر الروماني تُعرف باسم "أميرة الشمس" وهي واحدة من ثماني مومياوات فقط في العالم تم تحنيطها بطريقة نادرة للغاية.
ورجّح بعض المسؤولين أن سبب الحريق كان ماسًا كهربائيًا أو ربما سقوط منطاد ورقي ساخن إلا أن السبب الدقيق لم يُحدد حتى الآن وقد أثارت هذه الكارثة موجة من الغضب العالمي وطرحت أسئلة عديدة عن الإهمال في تأمين المتاحف وخصوصًا المتاحف التي تضم كنوزًا بشرية نادرة وقد ضاعت كنوز مصرية بهذا المتحف إلى الأبد مما يمثل كارثة تحتاج إلى مطالبة بحقوق ملكية فكرية للآثار وحق مصر في المطالبة بعودة آثارها المنهوبة والتي ترفض هذه الدول عودتها بحجة المحافظة عليها وبعد كارثة البرازيل أصبحت آثارنا في الخارج مهددة.
كيف وصلت آثارنا إلى البرازيل؟
ينوه الدكتور قاسم زكى إلى كيفية وصول الآثار المصرية إلى البرازيل فبعضها جاء عبر التاجر الإيطالي "نيكولا فنجوا" الذي نقل قطعًا من مقتنيات مغامر ومهرب الآثار الشهير "جيوفاني باتيستا بلزوني" من مرسيليا إلى البرازيل حيث اشتراها الإمبراطور البرازيلي بيدرو الأول عام 1826
كما حصل المتحف على تابوت الكاهنة "شا آمون إن سو" كهدية رسمية من الخديوي إسماعيل إلى الإمبراطور البرازيلي بيدرو الثاني خلال زيارته لمصر عام 1876 وظلَّ التابوت في مكتب الإمبراطور البرازيلي في قصر ساو كريستوفاو حتى إعلان الجمهورية عام 1889 ثم انتقل إلى المتحف الوطني في ريو دي جانيرو وكان هذا التابوت واحدًا من أجمل وأندر القطع التي استحوذت على اهتمام الزوار.
مسؤولية مصر الأخلاقية
ويطرح الدكتور قاسم زكى تساؤلات جوهرية رغم خروج هذه المجموعة المحترقة بالبرازيل بطرق قانونية في زمنها، هل تكتفي مصر بدورها في حماية الآثار داخل حدودها أم أن عليها أيضًا مسؤولية أدبية لمتابعة سلامة مقتنياتها بالخارج؟
وهل ينبغي المطالبة باسترداد الآثار من المتاحف التي تُهمل في صيانتها وتأمينها؟
ربما يكون حريق ريو دي جانيرو جرس إنذار بأن آثارنا بالخارج غير مؤمنة بشكل كاف لأنها في النهاية تنتمي لحضارة أخرى وأحفاد من صنعوا هذه الحضارة هم الأحق بأن تكون آثارهم بينهم في أرضها فالحضارة ذاكرة المكان والزمان وحين تغادر موطنها تفقد ذاكرة المكان وتصبح مجرد أثر بلا روح أو كيان أو هوية.
