المساواة في الحقوق الابنة المعاقة ومعاش الأب بعد الزواج
كتبت /منى منصور السيد
تعتبر قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة وفي سياق التشريعات المتعلقة بالمعاشات يثار تساؤل مهم حول مدى تحقيق المساواة بين الأبناء من ذوي الإعاقة وتحديداً بين الذكور والإناث فيما يتعلق بحقهم في استمرار صرف معاش والدهم بعد الزواج ففي العديد من التشريعات يمنح الابن المعاق الحق في استمرار المعاش حتى بعد زواجه بينما تحرم الابنة المعاقة من هذا الحق بمجرد عقد قرانها هذا التمييز الذي يبدو متجذراً في مفاهيم اجتماعية تقليدية أكثر منه في أسس قانونية ومنطقية يستدعي وقفة تحليلية من منظور القانون والعدالة الاجتماعية.
تستند المطالبة بالمساواة بين الابن والابنة من ذوي الإعاقة في الحق في معاش الأب بعد الزواج إلى عدة مبادئ قانونية وحقوقية أساسية مبدأ المساواة وعدم التمييز يعتبر هذا المبدأ حجر الزاوية في معظم الدساتير والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فالقوانين التي تفرق بين الأبناء على أساس الجنس خاصة في سياق يمس حقوق الفئات الأكثر ضعفاً كذوي الإعاقة تعد انتهاكاً صارخاً لهذا المبدأ فالإعاقة لا تفرق بين ذكر وأنثى والحاجة إلى الدعم المالي والرعاية لا تتوقف على الحالة الاجتماعية للابنة المتزوجة خاصة إذا كانت إعاقتها تمنعها من الكسب أو تقيد قدرتها عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد هذه الاتفاقيات التي صدقت عليها العديد من الدول على ضرورة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية على قدم المساواة مع الآخرين دون أي تمييز على أساس الإعاقة وتشدد على ضرورة اتخاذ الدول الأطراف لجميع التدابير اللازمة لضمان تمتع المرأة ذات الإعاقة تمتعاً كاملاً بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحرمان الابنة المعاقة من معاش والدها بعد الزواج بينما يستمر صرفه للابن المعاق يتناقض بشكل مباشر مع هذه الالتزامات الدولية هدف المعاش إن الغرض الأساسي من معاش الوالد المتوفى الممنوح للأبناء من ذوي الإعاقة هو توفير دعم مالي يضمن لهم حياة كريمة ويساعدهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية خاصة في ظل محدودية فرص العمل المتاحة لهم وصعوبة الاعتماد الكلي على الذات هذا الهدف لا يتغير بزواج الابنة فإعاقتها تبقى قائمة وحاجتها للدعم تستمر وقد لا يكون الزوج قادراً على توفير الرعاية المالية الكافية وحده خاصة إذا كان هو نفسه يعول أسرة أو يواجه ظروفاً اقتصادية صعبة المنطق والواقع العملي من غير المنطقي أن يفترض أن زواج الابنة المعاقة ينهي بالضرورة حاجتها للدعم المالي فإعاقة الابنة لا تزول بالزواج وقد تكون إعاقة شديدة تتطلب رعاية مستمرة ونفقات طبية خاصة لا يغطيها بالكامل دخل الزوج وعلى النقيض فإن استمرار المعاش للابن المعاق بعد الزواج هو اعتراف ضمني بأن الزواج لا يلغي الحاجة للدعم في حالة الإعاقة فلماذا يطبق معيار مختلف على الابنة.
يؤدي هذا التمييز إلى آثار سلبية متعددة على الابنة من ذوي الإعاقة زيادة العبء المالي يؤدي حرمانها من المعاش إلى زيادة العبء المالي عليها وعلى أسرتها الجديدة مما قد يؤثر سلباً على جودة حياتها وقدرتها على الحصول على الرعاية الصحية والاحتياجات الأخرى الشعور بالدونية والتمييز يعزز هذا التمييز الشعور بالدونية وعدم المساواة مما يؤثر على الصحة النفسية للابنة واندماجها الاجتماعي تقييد الاستقلالية قد يدفع هذا التمييز الابنة المعاقة إلى البقاء بلا زواج لتجنب فقدان المعاش مما يحرمها من حقها في تكوين أسرة والاستقلالية الشخصية مخالفة مبادئ العدالة الاجتماعية يرسخ هذا التمييز مفاهيم اجتماعية بالية تحصر دور المرأة وتعتبرها عبئاً مالياً وتتجاهل حقها في التمكين والاستقلالية.
لتحقيق العدالة والمساواة يتعين على المشرعين إعادة النظر في الأحكام القانونية ذات الصلة بمعاشات الأبناء من ذوي الإعاقة مع الأخذ في الاعتبار التوصيات التالية تعديل التشريعات يجب تعديل القوانين التي تفرق بين الابن والابنة من ذوي الإعاقة في الحق في معاش الأب بعد الزواج بحيث يمنح الحق لكلا الجنسين على قدم المساواة طالما أن الإعاقة تمنعهم من الكسب أو تقيد قدرتهم عليه تطبيق المبادئ الدستورية والدولية يجب أن تتوافق التشريعات المحلية بشكل كامل مع مبادئ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليها في الدساتير الوطنية والاتفاقيات الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة دراسات الأثر الاجتماعي إجراء دراسات لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للتشريعات الحالية على الأشخاص ذوي الإعاقة وتحديد الثغرات التي تؤدي إلى التمييز التوعية القانونية والمجتمعية نشر الوعي بأهمية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخاصة النساء منهم وضرورة التخلص من المفاهيم الاجتماعية التي تكرس التمييز.
إن المطالبة بحق الابنة من ذوي الإعاقة في معاش والدها بعد زواجها مساواة بالولد المعاق ليست مجرد مطالبة بحق مالي بل هي دعوة لتطبيق مبادئ العدالة والمساواة في أسمى صورها إن الاعتراف بهذا الحق يعكس التزام المجتمع بحماية الفئات الأكثر ضعفاً ويؤكد على أن الإعاقة لا يمكن أن تكون مبرراً للتمييز وأن الحقوق الأساسية لا تتوقف على جنس الشخص أو حالته الاجتماعية إنها خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية يضمن الكرامة والاستقلالية للجميع.
