ذاكِرة الموَاعيد
ذاكِرة الموَاعيد
بقلم الكاتبة : منال خليل
بنهاية الشتاء وأول صباح من ربيع ناعم حين كان الهواء لا يزال متردّداً بين قسوة البرد والدفء الرحيم ، جلست " حنين " على ذات الطاولة القريبة من الزاوية
كما اعتادت بصباح كل يوم أحد .
المقهى كان هادئ، وضوء الشمس يتسلل بخجل عبر ستائر من الكتان، يلامس شعراتها التي بدا أنها التقطت من الضوء لونه الذهبي دون قصد.
كانت ترتدي ثوباً مخملياً بلون البنفسج الخافت، يكشف عن جيدٍ ناصع يزينه ذلك العقد الذي لا تكف اصابعها عن اللعب بحباته الزرقاء والزهريه، كما لو أنها تمسح على ذاكرة متعبة .
لم تطلب قهوتها المعتادة ، اكتفت بكأس شاي.
فهناك لحظات لا تليق بها سوى رائحة الشاي الساخن وصوت ضحكتها، تلك التي تنفلت كعطرٍ قديم انطلق صدفة من زجاجته كمُهرة صهباء بريه .
كانت تبدو كأنثى ناضجة لم تفقد دهشتها بالعالم، لكنها لم تعد تنتظر منه الكثير
لربما ترتدي أشياء مظهرها بسيط، لكنها تختارها كما يختار الرسام ألوان لوحته الأخيرة، كل ما فيها يلمح إلى حكايات لم تُروَ بعد إلى رسائل لم تُرسل وإلى وداع لم يكتمل.
جلست برفقه كأس الشاي وحدهما مع ذلك الآخر الذي لم يعد يلتفت القلب إليه، كان هناك بسمه راضيه مرسومه على جانب شفاها.
لا أحد يعرف ما الذي أضحكها الآن، لكن من يراها، يدرك أن تلك الضحكة كانت موجهة لشخص ما.
ربما كان يجلس معها ذات يوم على نفس الطاولة، وربما كان ذلك الشخص قد اختفى من حياتها، لكنه لم يغادر طقوسها بعد
لكنه ما زال يحتل زاويةً في ذاكرة
المواعيد.
وعندما غادرت، لم تترك خلفها شيئًا يُلتقط
فقط قلباً من ورق، وبقعة شاي على الطاولة.
كأن الزمن مرّ من هنا، ثم اختفى دون أن يودّع.
القلب الورقي كان يحتوي سطورًا مكتوبة بحبر أزرق .
إلى من لا يعرف أنه ما زال يعيش في طقوسي .
"كل يوم أحد، أجلس في ذات المكان
أحتسي الشاي لا لأنني أحبّه، بل لأنك ذات مرّة قلتَ إنني أبدو أكثر دفئًا ودلال وأنا أحمله بين كفّي "
أحياناً الوحدة ليست فراغًا ، بل قصرٌ من كريستال راقيِ نعيش فيه مع أشباح من اختيارنا .