التقاعد المر : حين يصبح نهاية الخدمة بداية المعاناة
كتب - محمود فوزي
المستشار الإعلامي للاتحاد المحلي لعمال القليوبية
في خضم صخب الحياة وتقلباتها، يجد الموظفون الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن أنفسهم في مواجهة واقع مرير بعد الوصول إلى سن التقاعد. سنوات طويلة من العطاء والاجتهاد، قضوها في خدمة المؤسسات والنهوض بالمجتمع، ليصطدموا بواقع معاشي لا يرقى إلى مستوى تضحياتهم وجهودهم.
إن الشعور بالظلم والإجحاف يتسلل إلى نفوس هؤلاء الذين قدموا الكثير، ليجدوا أن ثمرة جهدهم وسنوات عمرهم تُقابل بمعاش زهيد لا يكفي لسد أبسط الاحتياجات الأساسية في ظل الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار المتزايد. يصبح هؤلاء الذين كانوا بالأمس القريب أعمدة المجتمع، يكافحون لتأمين لقمة العيش والحفاظ على كرامتهم.
إن عدم اكتراث الدولة الكافي بأوضاع المتقاعدين يمثل جرحًا عميقًا في ضمير المجتمع.
فبعد سنوات من الولاء والانتماء
يشعر هؤلاء الأفراد بأنهم قد طُووا في صفحات النسيان، وأن تضحياتهم لم تلقَ التقدير اللائق.
يصبح السؤال المؤلم يتردد في أذهانهم: هل هذا هو جزاء الإخلاص والعطاء؟
إن المعاش الذي لا يتناسب مع متطلبات الحياة الكريمة يجبر العديد من المتقاعدين على التفكير في سبل أخرى لتأمين دخل إضافي.
فمنهم من يضطر إلى العمل في وظائف هامشية رغم تقدم العمر ومتاعب الشيخوخة، ومنهم من يعتمد على مساعدة الأبناء والأقارب، في مشهد يعكس قسوة الظروف وعدم كفاية ما قدمته الدولة لهم.
انهذا الوضع يثير تساؤلات حول العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين الذين أفنوا شبابهم في خدمة بلادهم.
أليس من حقهم أن ينعموا بحياة كريمة ومستقرة بعد التقاعد؟
أليس من واجب الدولة أن توفر لهم الأمان المالي الذي يحفظ لهم كرامتهم ويضمن لهم حياة لائقة في سنواتهم الأخيرة؟
إن تجاهل أوضاع المتقاعدين وعدم الاهتمام الكافي بهم لا يقتصر أثره على هؤلاء الأفراد فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع بأكمله. فهو يرسل رسالة سلبية للأجيال الحالية والقادمة، مفادها أن الإخلاص والعمل الجاد قد لا يُقابل بالتقدير والعناية اللازمة في نهاية المطاف.
إن المسؤولية الوطنية والإنسانية تحتم على الدولة أن تولي اهتمامًا أكبر بأوضاع المتقاعدين، وأن تعمل على.
تحسين مستويات معاشاتهم بما يضمن لهم حياة كريمة تحفظ لهم كرامتهم وتليق بتضحياتهم.
إن تكريم هؤلاء الذين خدموا الوطن بإخلاص هو واجب وطني، ورد للجميل وتعزيز لقيم الوفاء والتقدير في المجتمع.
إن الاهتمام بالمتقاعدين ليس مجرد مسؤولية مالية، بل هو تعبير عن مدى تحضر المجتمع وتقديره لأبنائه الذين بذلوا جهودًا مضنية في سبيل رقيه وتقدمه.