اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

عالمة المصريات مونيكا حنا : أين ثقافة المكان فى مشروع الأهرامات؟

عالمة المصريات مونيكا حنا : أين ثقافة المكان فى مشروع الأهرامات؟





كتب - د. عبد الرحيم ريحان


تروى لنا عالمة المصريات الشهيرة محليًا وعالميًا الدكتورة مونيكا حنا ما يدور فى خاطرها عن ثقافة المكان من خلال زيارتها للأساتذة الأفاضل عمرو جزارين وأحمد مصطفى بمشروع اوراسكوم بيراميدز في هضبة الأهرام، وقد عملت بهذا المكان منذ أكثر من ٢٠ عامًا وخصوصًا على كتابة اثتوغرافيا أثرية عن منطقة نزلة السمان.



وتروى الدكتورة مونيكا حنا لحملة الدفاع عن الحضا رة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان من خلال زيارتها ما رصدته عن المشروع موضحة أن الخطة والاستثمار الكبيير التى قامت به شركة اوراسكوم بيراميدز هى خطة كبيرة بكل المقاييس من كبرى المكاتب الاستشارية في العالم ولكن لن ترى ثقافة المكان بشكل صحيح، تم تنفيذ استراتيجية كبيرة جدًا بمليارات ولكن لم تدرس ثقافة المكان وهذا ما اتضح أمس أثناء التشغيل التجريبى وتلخصها كالآتى:

1- لم يؤخذ رأى الزائرين المحليين والأجانب أو المرشدين السياحيين أو الآثاريين في طريقة إدارة المنطقة الأثرية وهذه أوليات مادة إدارة المواقع الأثرية التى تدرس لطلاب الآثار بالجامعات  وتقارن ذلك بخطة ادارة وادي الملوك التى نفذت منذ ١٥ عام والتى لم تشهد فى بداية تطبيقها ما شهدته منطقة الهرم أمس، وهذا هو الفرق بين خطة إدارة الموقع الأثري التى تحترم ثقافة المتعاملين مع الموقع وخطة تمت بدون مراعاة لهذه الجوانب

2- مشكلة الجمّالة والخيًالة لنزلة السمان وكانت المنطقة فى العصر اليوناني والروماني تُسمى بوزيريس، كما ذكر بليني الأكبر. وتغير الاسم عدة مرات وقبل نحو 200 عام كانت تُسمى الأرض السوداء ثم سُميت هي والقرى الأخرى في المنطقة بالأرض الخضراء من حوالي 110 عام وسكن المنطقة شيخ يُدعى السمان، وكان يتعبد عند مقبرة دِبْهِن التي تعود إلى عهد منقرع وبعد وفاته، سُميت القرية نزلة السمان، أي "المكان الذي عاش فيه الشيخ السمان". ويُقال إن سكان نزلة السمان تمكنوا من امتلاك الأرض المحيطة بالأهرامات قبل نحو 100 عام عندما أقام أمير تركي من العائلة المالكة حفلاً في الصحراء هناك واستمتع الضيوف بعرض ركوب الخيل فانبهر الأمير التركي فأشار للفارس العجوز ودعاه للانضمام إلى ضيوفه، لكن الغريب أن العجوز اعترض وقال إنه لن يشارك لأن الأمير ينتمي إلى حكومة فاسدة. 



وأعلن العجوز أن عائلته تريد أن تُمنح لهم هذه الأرض ولم تُتخذ أي إجراءات من الحكومة بشأنها، وكان الأمير في مزاج جيد ووعدهم بأن يتم ذلك لكنه نسي الأمر لاحقًا في أحد الأيام، بينما كان الأمير التركي في عربته وقد أفسحت له العربة الجارية ذات العصي الطويلة الطريق ظهر العجوز من زاوية على حصانه وتجاهل العربة وانطلق في طريقه. ركب بسرعة نحو الأمير وأوقف عربته نظر إلى الأمير فاغر الفم ووبخه على عدم الوفاء بوعده تذكر الأمير وعده فطلب ورقة ووقعها مانحًا جميع الأراضي المحيطة بالجانب الشرقي من الأهرامات للفارس العجوز من عائلة الجابري، لذا قامت عائلة الجابري وأقاربهم البدو بتقسيم الأرض وبناء منازلهم.



وتتابع الدكتورة مونيكا حنا بأنه في عام سُمح لسكان نزلة السمان بالبناء حتى ستة طوابق مما أتاح للقرية الصغيرة فرصة للنمو وفي عام ١٩٩٢ أثناء عمل نظام صرف صحي جديد في المنطقة في محاولة لإنقاذ أبو الهول من ارتفاع منسوب المياه تحت السطحية عُثر على ميناء الملك خوفو الذي يعود تاريخه إلى المملكة القديمة إلى جانب جسره ومعبد الوادي أسفل القرية ومنذ ذلك الحين وضعت الهيئة العليا للآثار خططًا لنقل نزلة السمان.



وفي عام ١٩٩٧ بعد حادثة حتشبسوت في الأقصر ازداد القلق من إمكانية تكرار ذلك في أهرامات الجيزة على الرغم من أن أولئك الذين ألقوا القبض على المهاجم في الأقصر كانوا من أهالي القرنة لذا طرح المجلس الأعلى للآثار خطةً لنقل سكان نزلة السمان إلى بداية طريق الفيوم وهي خطة لم تحظَ قط بدعم برلماني أو تمويل حكومي.



في عام ١٩٩٩ اتخذ المجلس الأعلى للآثار إجراءاتٍ قانونيةً ضد جميع سكان نزلة السمان عبر المحكمة وكان الإجراء أن جميع الأراضي الواقعة شرق الهضبة والتي تبلغ مساحتها ٣ كيلومترات مربعة تابعةٌ للمجلس الأعلى للآثار وفقًا للقانون ١٨ لسنة ١٩٩٩ الذي ينص على وجوب وجود مساحةٍ تساوي ٣ كيلومترات كنصف قطرٍ للدائرة المحيطة بأي موقعٍ أثريٍّ في مصر إلّا أن أعضاء مجلس النواب من نزلة السمان نجحوا في وقف تنفيذ القرار القانوني.



وفي السنوات التي تلت ذلك رفع سكان نزلة السمان أكثر من ٧٠٠ دعوى قضائية ضد المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة لإبطال القرار القانوني المستند إلى قرار تراخيص البناء لعام ١٩٨٤ في المنطقة، وفي عام ٢٠٠٢ شيّدت الهيئة العليا للآثار جدارًا لفصل زحف نزلة السمان وتنظيم دخول راكبي الخيول والحمير والجمال كما شُيّد الجدار لحماية المركز الأمريكي للبحوث في مصر (ARCE) بإشراف الدكتور مارك لينر الذي طلب حماية أعماله التنقيبية بالجدار وإبعادها عن منطقة ركوب الخيل.



اعترض الأهالي لكن مجلس النواب أيّد حماية الموقع الأثري آنذاك فتم تشييد الجدار الذى وفّر الحماية للمنطقة الأثرية لكنه لم يقم بتنمية مجتمع نزلة السمان مما أدى إلى ازدياد السلوكيات العدوانية وارتفاع معدلات الجريمة ضد زوار هضبة الجيزة في ذلك الوقت وعبّر سكان نزلة السمان عن استيائهم من أن الجدار يُحوّلهم إلى سجن وأعربوا عن أسفهم لعدم سماع أصواتهم.



وفي عام ٢٠١١ بلغت المواقف السلبية لأهالي نزلة السمان ذروتها في واقعة الجمل الشهيرة التي هاجمت احتجاجات ميدان التحرير. انطلقوا من الأهرامات إلى الميدان لأن أعضاء مجلس الشعب أقنعوهم بأنهم إذا تخلصوا من المتظاهرين فسيجبرون الحكومة على هدم الجدار ويمكنهم التجول بحرية في هضبة الجيزة وقد جسّد فيلم "بعد الموقعة" للمخرج الشهير يسري نصر الله والذي عُرض في مهرجان كان السينمائي معضلة هذا المجتمع بشكل رائع.





وتنوه الدكتورة مونيكا حنا إلى الوضع الحالى حيث أن هضبة الجيزة هي واحدة من سبل العيش الرئيسية لأفراد المجتمع بنزلة السمان وبسبب سلوكهم وغياب خطط إدارة الموقع الأثري تحدث المشاكل بالمنطقة وأن السور الذى بنى للحماية الأمنية تحول إلى جدارًا نفسيًا يفصل بين المجتمع المحلي وصناع القرار وبالرغم من الافتقار إلى التواصل مع المجتمع لا تزال المحافظة تصدر التصاريح للإسطبلات وفرسان الخيول والجمال بنفس المعدل دون إشراف.



وتطرح عالمة المصريات والخبيرة بعلم إدارة المواقع الأثرية عن قرب ومن خلال تجارب عملية بمنطقة الأهرامات ومنطقة سرابيط الخادم بسيناء والعديد من المواقع الأخرى حلًا للمشكلة من خلال حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بوضع خطة تنمية قوية طويلة الأجل تترجم إلى خطة واضحة مع إجراءات تهدف إلى تحويل الخيّالة والجمّالة وأهالي نزلة السمان إلى شركاء ناجحين لخطط الاستثمار والتطوير لمشروع الجيزة من خلال خلق شراكات حقيقية وقد حققت عائلة ساوريروس نجاحًا مماثلاً في منشأة ناصر مع جامعى القمامة ويجب أن يأتي الدور على نزلة السمان.



ولايمكن في القرن ال٢١ أن ننادي بالحلول الأمنية الأحادية لحل مشاكل توارثناها مع السنين مع وجود نماذج ناجحة لإدارة التراث من خلال التنمية المستدامة مثل مشروع إسنا تكويين المجتمعي في مصر وخطط إدارة التراث في البتراء بالأردن من خلال المشاركة المجتمعية الحقيقية.



وهذا هو السبيل الوحيد لضمان استدامة المشروع والاستثمار ونجاحه المستقبلي لجميع المتفاعلين مع هضبة الأهرامات.

google-playkhamsatmostaqltradent