اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

عودة رع للأرض صابغًا الأفق باللون الأحمر   "حكايات شم النسيم"

 عودة رع للأرض صابغًا الأفق باللون الأحمر   "حكايات شم النسيم"



كتب د. عبد الرحيم ريحان

اعتقد قدماء المصريين أن يوم شم النسيم هو بدء خلق العالم ولقد سجل على جدران المعابد أن المعبود رع يقوم فى ذلك اليوم بالمرور فى سماء مصر داخل سفينته المقدسة ويرسو فوق قمة الهرم الأكبر وعند الغروب يبدأ رحلته عائدا للأرض صابغًا الأفق باللون الأحمر رمزًا لدماء الحياة الذى يبثها من أنفاسه إلى الأرض معلنًا موت المعبود (ست) إله الشر

وأن المصري القديم عرف ٤ فصول وليس ٣ كما يشاع، شمو وهو الصيف، وحن شمو اي ح نشم وهو الربيع، وبرد أو برت أو أرجوف أي أرجف وهو الشتاء، وأخت أوحنفرو وهو الخريف، وبالتالى فإن شمو هو فصل الصيف وحن شمو هو فصل الربيع المقصود

عيد مدنى لا دينى

شم النسيم لا علاقة له بأى دين فهو عيد مصرى قديم احتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد حيث تتجدد الحياة وكانت السنة عندهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذى يقع عند الانقلاب الربيعى فى 11 برمودة (باراحاموت بالهيروغليفية) وأن علاقة شم النسيم باليهودية والمسيحية مجرد صدفة، حيث أن بنى إسرائيل حين خرجوا من مصر كان ذلك اليوم يوافق موعد احتفال المصريين ببدء الخلق وأول الربيع وأطلق عليه اليهود يوم الخروج أو الفصح وهى كلمة عبرية معناها (اجتياز) واشتقت منها كلمة (بصخة) إشارة إلى نجاتهم وهكذا اتفق عيد الفصح العبرى مع العيد المصرى القديم

وبعد دخول المسيحية مصر تمّ ترحيل هذا العيد إلى ما بعد عيد القيامة حتى يتمكّن المسيحيون من الاحتفال به بأكل السمك والفسيخ نظرًا لأن فترة الصوم الكبير لدى الأقباط يمتنعون خلالها عن أكل السمك أو اللحوم أو البيض أو الألبان.

( شم – سم )



نشير إلى دراسة أثرية للباحث الآثارى عماد مهدى تقدم تفسيرًا جديدًا لأصل تسمية شم النسيم بأنها كلمة مصرية قديمة خالصة مرت بتطور عبر الزمن وكتبت فى مصر القديمة ( شم – سم ) ثم نطقت فى القبطية ( شوم سيم ) حتى وصلت إلينا شم النسيم مستندًا على تفسير حرف (ش) فى اللغة المصرية القديمة والتى تكتب بشكل مستطيل يرمز الى بركة المياه التى تتوسط الحدائق وكلمة (شم) تعنى أخرج أو أنزل أو تحرك وتم ربط مخصص أسفله لقدم إنسان مما تفيد الخروج إلى البركة

وكلمة ( سم ) تعنى نباتات أو بستان ورسم المخصص للكلمة حزمة من النباتات مما يتوافق مع اهتمام المصرى القديم بالحدائق والزهور وتصويرها على جدران المقابر مثل مقبرة الكاتب نب أمون من تصوير أزهار اللوتس طافية على سطح الماء لبحيرة تتوسط حديقة بها أسماك ويحيط بالبحيرة شجر الجميز والدوم والتين الشوكى والنخيل

وعرفت مصر القديمة مهنة كبير البستانيين ومنسق الزهور المقدسة وهو (مين نخت) الذى عاش فى عهد الملك أمنحتب الثالث وكان يدعى بستانى القرابين المقدسة لآمون كما صور فى مقبرتة بطيبة أجمل باقات الزهور المصرية وهو أكبر مشتل زهور مصور فى الآثار المصرية

البصل وطرد الشياطين

ارتبط العيد بمأثورات الشعبية الخاصة بأكلات شم النسيم، وكان البصل ضمن أطعمة عيد شم النسيم منذ أواسط الأسرة السادسة وارتبط ظهوره بما ورد فى إحدى أساطير منف القديمة أن أحد ملوك مصر القديمة كان له طفل وحيد وكان محبوبًا من الشعب وقد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الفراش عدة سنوات

واستدعى الملك لعلاج الطفل الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرضه إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الطفل فى فراشه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها

وطلب الكاهن منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة وشفى الطفل وأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد وتعليق حزم البصل على أبواب دورهم

البيض الملون

أطلق عليه الأوروبيون بيض الشرق ويرمز إلى خلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد أخناتون "الله وحده لا شريك له خلق الحياة من الجماد فأخرج الكتكوت من البيضة"، ونقش البيض وزخرفته ارتبط بعادة قدماء المصريين نقش الدعوات والأمنيات على البيض ثم يعلق فى أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق

الفسيخ (السمك المملح)

من بين الأطعمة التقليدية فى شم النسيم منذ الأسرة الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة حيث ورد فى متونه المقدسة أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع حسب المعتقد المصرى القديم

وقد ذكر المؤرخ الإغريقى هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح فى أعيادهم ويرون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم (بور) وهو الاسم الذى حور فى اللغة القبطية إلى (يور) وما زال يطلق عليه حتى الآن

الخس والخصوبة

عرف منذ الأسرة الرابعة وكان يقدم فى سلال القرابين وعلى موائد الاحتفال بالعيد وكان يسمى بالهيروغليفية (حب) كما اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود (من) إله التناسل ويوجد رسمه منقوشًا دائمًا تحت أقدام المعبود (من) فى معابده ورسومه

الملانة

هى ثمرة الحمص الأخضر أطلق عليها (حور – بيك) أى رأس الصقر لشكل الثمرة التى تشبه رأس حور الصقر المقدس وقد ذكر الخس والملانة فى البرديات الطبية وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقودًا وأساور يتزين بها فى الاحتفالات بالعيد كما يقمن باستعمالها فى زينة الحوائط ونوافذ المنازل فى الحفلات المنـزلية

عقود زهور الياسمين

كان من بين تقاليد شم النسيم المصرية القديمة التزين بعقود زهور الياسمين وهو محرف من الاسم المصرى (ياسمون) وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التى تستقبل به الربيع وكانوا يستخرجون منه فى موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذى يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد

اللنبي ابن حلمبوحة

منذ عام 1919 حيث الحركة الوطنية في بورسعيد ارتبط شم النسيم بحرق دمية اللورد "اللنبي" التى أوفدته بريطانيا عقب ثورة 1919 مندوبًا ساميًا لها إلى مصر وظل فيها لمدة ست سنوات عرف خلالها ببطشه بالمصريين وكل عيد شم النسيم يقوم أهل بور سعيد بحرق دمية مصنوعة من القماش تمثل اللنبي تعبيرًا عن ظلمه وتنكيله بالمصريين تتحرك فى الشوارع بصحبة الكبار والصغار مع الاحتفال بالرقص والغناء على أنغام السمسمية ويرددوا الأغنية الشهيرة

ياللنبي يابن حلمبوحة

ومراتك عرة وشرشوحة

مين قالك تتجوز توحة

ياللمبي يابن الخواجاية

مين قال لك تعملى حكاية

أمك مليانة ملوحة

راسك عالحيط مدبوحة

إخية عليه

اللمبي بيه

وبعدها يحتفلوا بالفسيخ والبيض الملون والخس والملانة والبصل الأخضر وبالليل فى المراكب

google-playkhamsatmostaqltradent