مدافن القاهرة التاريخية بين مطرقة الحماية وسندان التطوير
كتب - د. عبد الرحيم ريحان
سجلت القاهرة التاريخية تراث عالمي باليونسكو منذ عام 1979 والتى تشمل الآثار الإسلامية والقبطية فى ثلاث نطاقات، وهى منطقة القلعة وإبن طولون الجمالية والمنطقة من باب الفتوح إلى جامع الحسين، منطقة الفسطاط والمقابر والمنطقة القبطية والمعبد اليهودي.
واعتمدت حدود واشتراطات منطقة القاهرة الإسلامية من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية طبقًا للقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية 2011.
ولو نظرنا إلى خارطة شوارع المدافن ناحية الامام الشافعى والتقسيم الحضرى الحديث للشوارع لرأينا رقعة شطرنج فماذا يحدث فى شوارع القاهرة التاريخية؟
توجهت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان بهذا السؤال إلى المهندس حسين منصور نائب رئيس حزب الوفد.
عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين السابق دورتى 2014- 2018- 2022
فأجاب من خلال زيارته الميدانية قائلًا
سرت فى تلك الشوارع مرشحًا فى أوائل التسعينات 1992 للمحلياتو سرت فيها مهندسًا أباشر أعمالى ذهابًا و عودة للبساتين ومنطقة شق التعبان و أعمال الحجر و الرخام و الجرانيت، و سرت فيها مرشحًا لمجلس النواب 2015
وكلما سرت فيها كانت تأسرنى بجمال شوارعها ونظامها وسكونها المهيب الخالد تحف بك القباب والمنارات المختلفة لمدفن العائلات المختلفة من كافة الطبقات الشعبية وكبار الموظفين والباشوات ولا عجب فمدافن الأسرة العلوية شيدها محمد على وابراهيم مجاورة للإمام الشافعى فحرص كبار العائلات و كبار الموظفين ان يقيموا مدافنهم تاسيًا بالأسرة الحاكمة بجوار الامام الشافعى وايضا الطبقات الشعبية لم تترك فرصتها فى التواجد هناك فكنت اسير بين الاحواش المختلفة تتناثر تطل منها الأشجار والزهور و العائلات النازحة الفقيرة التى احتلت الأحواش القديمة الواسعة تجلس فى العصارى مع نسمات الهواء الجافة.
كنت اسير فى سكون مهيب و شمس ساطعة ومناخ معتدل وكأنى فى ديكور مصمم لأفلام السينما القديمة بين حوش توفيق نسيم باشا رئيس وزراء مصر المعروف و قد ترك فى حوشه مستوصفًا صحيًا لخدمة ابناء الخليفة و الخرطة القديمة.
بين احواش محمود الفلكى بقبته البديعة وحوش محمد محمود رئيس وزراء مصر ايضا و حوش احمد تيمور و انا اقطن فى الحلمية الجديدة فى شارع يحمل اسم العلامة المعروف احمد تيمور.
قرأت الدراسات المختلفة عن سكنى القبور وازمة السكن و اختلطت بأبناء الخرطة القديمة ملوك الحجر والرخام وعائلات بأكملها توارثت مهنة تشكيل الحجر وتركيبه والرخام و توضيبه واستخدامه وزرات و ارضيات و تركيبات فنية للمدافن والجوامع والقصور واصبحت المنطقة بأكملها معينا لا ينضب لصنايعية المعمار من الموزايكو والحجر الصناعى و الرخام والجرانيت والبياض و مخزنا لصناعة مطاحن الفول المدشوش المنحوتة من كتل الجرانيت لتجهيز عجينة الطعمية.
عملت مهندسا تنفيذيا لشركة النيل العامة للطرق والكبارى فاقمت سنترال القلعة فى مطلع التسعينات وقمت بازالة بقايا محطة سكة حديد الخديوى اسماعيل شاهدت اكشاك صناعة سلالم الحجر وصناعة البلاط والورش المختلفة المحيطة بالمحطة.
تاريخ طويل و ممتد للبشر والحجر والجمال والروعة والتعايش وصناعة الحياة والحضارة.
اليوم سرت فى شارع الامام الليث الواضح بالخريطة ومنه الى شارع الطحاوية لاشاهد الهول وقد تم العصف بالقباب والاحواش ودهس التاريخ والحجر ورأيت قواعد واعمدة قميئة لكوبرى عريض متسع بفجاجة و عدوانية.
لا اتصور كل هذا الهجوم على مدافن الناس وحياتهم وتراثهم وهؤلاء الذين امتلكوا حقوق اقامة مدافنهم ولم تحترم حقوق الانتفاع والملكية فاسقطت الالتزام المقدس للقوانين والامان والملكية لهؤلاء الذين دفعوا اثمانا لتلك القطع التى رغبوا واعتقدوا انهم سيرقدون فيها.
لا اتصور هذا الاقدام على الاطاحة بتراث الوطن وطبقاته المتراكمة بكل تلك الشراسة لاجل حلول عقيمة فاسدة لعمل مجرى طريق مواز لشارع صلاح سالم
هل نضبت مصر من المهندسين الافكار والرؤى؟
هل عقمت مصر من الجهات البحثية والتخطيطية؟
حتى نقدم على مثل تلك الاعمال التى تسقط كافة قيم القانون والتحضر
و احترام المواطن و حقوقه.
تلك البيئة التاريخية الرائعة التى هى كنز تاريخى وصناعة سياحة عالمية وتنمية مستدامة وتاهيل وخلق فرص عمل تطور
و تطوير للقوى البشرية الذاخرة فى اهل المنطقة والقاهرة كلها لا طردهم وازالة اماكن وجودهم فى عرب يسار وتحت السور فى السيدة عائشة وتاريخهم وروابطهم و اعمالهم لخلق بيئة وهمية غير صادقة فاقدة للمضمون التاريخى والتطور التراكمى لصناعة الحضارة التى تطل من كل بنية و طوبة وشرفة وعقد و منارة.
حتى روائع المئذنة القبلية والبحرية ومئذنة قوصون اعتدوا عليها و حولوها موقفا للميكروباصات.
أين حق المدينة الذى تم اغتياله وحق المواطن فى المشاركة فى صناعة قرار تطوير المنطقة التى يقطن بها؟ فالمواطن صاحب المصلحة هو من يملك النقاش والحوار وصناعة القرار.