خبراء الآثار والترميم يدلون بآرائهم في تميمة الكرنك
كتب د. عبد الرحيم ريحان
استطاعت البعثة الأثرية المصرية الفرنسية التابعة للمركز المصري الفرنسي لدراسة معابد الكرنك (CFEETK) بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي الكشف عن مجموعة من الحُلي يرجع تاريخها إلى بداية الأسرة السادسة والعشرين، وذلك أثناء أعمال الحفائر التى تجريها البعثة في القطاع الشمالي الغربي بمعابد الكرنك.
وفى ضوء ذلك عرضت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان على اللجنة العلمية بالحملة صورة أحد التمائم ضمن مكتشفات البعثة وهى تميمة تمثل تمثال ثلاثي للآلهة المصرية القديمة آمون وموت وخونسو والذى جاء ضمن الإعلان عن الكشف أن مادتها من الذهب واستطلعنا رأى خبراء الآثار والترميم في مادة القطعة لما عرف في القطع الذهبية المصرية بريق الذهب الأصلى مثل مجموعة توت عنخ آمون وخلافه ولكن لون هذه التميمة أصفر فهل هي من الذهب أم معدن آخر وتحديد عيار الذهب لو كانت بالفعل من الذهب.
ومن الجدير بالذكر أن قيمة أي مكتشفات ليست في مادتها بل قيمتها التاريخية وما تضيفه من معلومات جديدة عن الحضارة المصرية القديمة.
وأوضح عالم المصريات الشهير الدكتور منصور بريك مدير عام آثار الأقصر الأسبق أن التمثال يمثل ثالوث معبد الكرنك المقدس وهم الاله امون رع وزوجته الإلهة موت وابنهم الاله خونسو، يمثلهم وهم يقفون على قاعدة بسيطة مسطحة وأكد أن التميمة مصنوعة من الذهب كما تم الإعلان عن ذلك وترجع إلى عصر عصر الأسرة ٢٦ (٦٦٤-٥٢٥ قبل الميلاد ) حسبما تم الاعلان عنه وهي مصنوعة عن طريق الصب فى قالب ونظرًا لصغر حجمها فإن من قام بصنع القالب والذي ربما كان من شمع نحل العسل لم يشكل التفاصيل بطريقة صحيحة ودقيقة، ويبدو
من صورة التميمة انها مصنوعة من الالكتروم وهو خليط الذهب مع الفضة مع العلم أن الفضة كانت قديما أغلى من الذهب ، وتلك التميمة لم تكن ملكية بل ربما كانت تخص أحد الكهنة الذين كانوا يعملون فى الكرنك فى ذلك العهد بمعني أنها كانت ضمن مجموعة من القطع من الذهب قام بإخفائها داخل فخارة صغيرة.
أضاف الدكتور منصور بريك أن المركز المصري الفرنسي وما به من علماء متخصصون فى الآثار المصرية القديمة سواءً مصريين أو فرنسيين ويعتبر من المراكز العلمية المهمة والمتخصص فى دراسة تاريخ وآثار معبد الكرنك وقد شرف بالإشراف عليه لأكثر من تسعة سنوات وله اصدارات علمية عديدة ومجلة تصدر سنويًا عن تاريخ وآثار معبد الكرنك ولن يعلن المركز عن قطع غير أثرية
ومن السهل جدًا معرفة نوع المعدن المصنوع منه تلك التميمة ومكوناته عن طريق الكشف عنه بجهاز XRF (X-Ray fluorescence )
وهو جهاز دقيق جدًا فى تحديد النسبة المئويةي لمكونات المعدن واذا ما كان مكون من الذهب والفضة أو من الذهب فقط وأكد أن القطعة أثرية.
واتفق مع هذا الرأي الدكتور محمد عبد المقصود أمين عام المجلس الأعلى للآثار الأسبق موضحًا أنه لا يمكن من خلال صوره فقط أن نحكم على أن القطعة أثرية أو غير أثرية وأن البعثة التي تعمل بالكرنك من أهم البعثات.
وأشارت الدكتورة داليا عبد الله رئيس قسم الترميم الأولى للآثار العضوية بالمتحف المصري الكبير- استشارى حملة الدفاع عن الحضارة للترميم والصيانة إلى أن الأثر يقاس بقيمته التاريخية والأثرية ودلالته وقيمته المعلوماتية وبالطبع الخامة تعتبر قيمة مضافة له، مشيرة إلى أن مادة التميمة المكتشفة ليست من الذهب لكن الاحتمال الأكبر أنها سبيكة معدنية من النحاس الأصفر أو سبيكة من البيلون أى من الذهب والفضة ويتضح ذلك من لون المعدن وبريقه الذي لا يظهر من خلال الصورة وإن كان الأمر لا يجزم بالفحص الظاهري فقط ولكن يجب الفحص والتحليل للخامة باستخدام أجهزة الفحص العلمية الدقيقة والتي تعطي نتائج في ثوان معدودة.
كما أشارت الدكتورة داليا عبد الله إلى ملاحظة أخرى على التميمة وهى حجم التشوه في مقايس التجسيد وتفاصيل الملامح مما يوحى أنها قطعة غير أصلية ولذا يجب الفحص والتقييم المباشر وليس من خلال صورة للتأكد من أثرية ومادة القطعة المكتشفة.
ونوه الدكتور خلف فارس الطراونة أستاذ المسكوكات الإسلامية بجامعة مؤتة عميد كلية العلوم الاجتماعية جامعة مؤتة السابق - عميد معهد ماديا لفن الفسيفساء والترميم السابق إلى أن الأهمية الأولى في الاكتشاف هي للقيمة الأثرية والتاريخية وأن هذه التميمة ليس من الضروري أن تكون من الذهب عيار ٢٤ أو ١٨ أو ١٢ الأرجح هي ذهب عيار ٨ وهو الأقل نسبة بالنسبة للذهب والأقرب إلى اللون الأصفر وذلك من خلال خبرته في المسكوكات الذهبية وعيارها وهناك ضرورة عاجلة للفحص المخبري أو من خلال الجواهرجي لأنه بدون اللمس المباشر للقطعة صعب الحكم عليها.
وأوضح خبير الترميم الأستاذ حمدى يوسف استشارى حملة الدفاع عن الحضارة المصرية للترميم أن تقييم أثر لا يتم من خلال صورة فوتوغرافية، وأن المصري القديم لم يكن يتعامل مع معدن الذهب كما نتعامل نحن معه الآن بالعيارية أو بالجرام أو كان يتخذه كوحدة قياسية للثراء المالي أو مقياس للتقدم الاقتصادي
بل المصري القديم اتخذ من معدن الذهب رمزًا ودليلًا لما يعتقد في نظرية الخلود فقد أطلق عليه المعدن النبيل، لماذا ؟
نظرًا لطبيعة خام الذهب والتي لا تتوافر لأي معدن آخر فهو معدن لا يصدأ ولا يتأثر بالعوامل الجوية أي أنه لا يتأكسد ويتآكل بفعل الصدأ فهو معدن سهل الطرق والسحب والتشكيل، معدن يتميز بالمرونة واللمعان القوي، وهذه الخواص الفيزيائية والميكانيكية لهذا المعدن تجعله معدن غير معرض للفناء وهي تتوافق مع فكر وعقيدة الخلود للمصري القديم ، ولذا توسع في استخدامه في الحلي والزخارف الفنية للتوابيت الملكية وغيرها من الأعمال الخاصة بالأثاث الجنائزي.
بالنسبة للتمثال موضع المناقشة أشار خبير الترميم حمدى يوسف إلى أن المفروض أن قيمته الأثرية تسبق أي قيمة اقتصادية أو جمالية وذلك تطبيقًا للمعايير التي أطلقتها منظمة يونسكو وكذلك الأسس المصرية المتبعة، علي اعتبار أن الأثر ممثل لبيئته ولعصره ولا يعيب الأثر اعوجاجه أو انتظام شكله أو عدم جودة التنفيذ، وكذلك اعتقادنا بعدم وجود أي قيمة للأثر لا نري فيها جمالًا مثاليًا بالنسبة لمقاييسنا الفنية الحديثة، اما الاجراءات الفنية الخاصة بتوثيق التمثال فهي تتطلب رفع عينة منه لمعرفة نوعية المعدن لا ثباته في وثيقة الاثر من خلال التحاليل المعملية .
ثم إجراء عمليات التوثيق الفني وكل ما يلزم من تحديد مظاهر التلف وإخضاعه للترميم إذا ثبت هناك وجود ما قد يؤثر علي التمثال واتخاذ الخطوات الفنية لما يتوافق مع نتائج التحاليل ثم اعداده للعرض المتحفي.
ولفت الأستاذ سامح مقار باحث في اللغة المصرية القديمة إلى أن هذه التميمة لا تتناسب دقتها أبدًا مع ما تعودناه من دقة في التماثيل المصرية القديمة ولا يتوقع أن تكون من سبيكة من الذهب.
وأشار سامح مقار إلى كيفية الكشف على عيار التمثال موضحًا أن كثافة الذهب ١٩.٣ جم/سم٣ ، أما كثافة النحاس فهي أقل من النصف ٨.٩٤ جم/سم٣، وكثافة البرونز فهي أقل أو مكافئة، فهي متغيرة طبقًا لمكونات السبيكة فهي تتراوح من ٧.٤ الى ٨.٩ جم/سم٣.
ومن ثم فإن الذهب أثقل مرتين من النحاس والبرونز، وللكشف عن طبيعة السبيكة دون خدش أو تجربة مواد كيميائية يقترح بناءً على تجربة سابقة على قطعة فرنسية.
سيتم وزن التمثال (يحسب بالجرام) يليها حساب الحجم عن طريق وضع التمثال في دورق مياه مدرج موجود بمعامل الكيمياء وحساب مقدار الازاحة (يحسب بالسنتيمتر) ثم نحسب الكثافة عن طريق قسمة (الوزن/الحجم) جم/سم٣
وهنا سيظهر نوع السبيكة بطريقة فورية من كثافتها، ولديه الاستعداد للتعاون لعمل تقرير عن مادة التميمة المكتشفة حيث أن أنواع القيراط المستخدمة في مصر القديمة معروفة للجميع.
وتوضح الباحثة الآثارية رنا التونسى باحث دكتوراه في الآثار المصرية القديمة أنه من المؤكد أن قيمة الأثر ليست فى المادة المصنوع منه وإلا كانت التماثيل الخشبية محلية الصنع لا قيمة لها، ويبدو أن التمثال نحاس وليس ذهب لونه يشبه الإكسسوار النحاس بخان الخليلى فلو تمت مقارنته بأي تمثال ذهبى سيظهر الفرق.
نحت التمثال غير دقيق بالمرة ولا يناسب مكانة آمون وموت وخنسو ويبدو أنه خصص لأغراض غير ملكية.
وأشار الأستاذ طارق مسلم من المهتمين بالآثار المصرية القديمة إلى أن صورة التميمة لا توحى بأنها من الذهب بل من النحاس.
وبناءً على تلك الآراء من خلال العرض الذى تقدمت به حملة الدفاع عن الحضارة المصرية على الخبراء يطالب الدكتور عبد الرحيم ريحان رئيس الحملة بضرورة توثيق هذه التميمة لتحديد مادتها وتأكيد أثريتها للرد على آراء الخبراء بين مؤيد ومعارض وهى آراء لها احترامها والرد على ذلك يؤكد احترام العلماء وآرائهم والحوار العلمى يثرى أي عمل ولا يقلل من قيمته بل يزيد منها لأهميته الكبرى.