اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الكاتبة منال خليل تكتب - رَحيلٌ إلىَ الدَاخِلِ

الصفحة الرئيسية

 رَحيلٌ إلىَ الدَاخِلِ 




بقلم : الكاتبة منال خليل


هل شعرت يوماً بأنك ترغب في الرحيل؟

لا إلى مدينةٍ بعيدة، ولا إلى أرضٍ أخرى

بل إلى الداخل؟

أن تغزل خيوط ثوب الباقي من حياتك بمفردك.

أن تنسحب من كل الأصوات، وتغلق الباب خلفك.

ثم تسافر – بصمت – نحو ذاتك


- استوقفتني مقولة للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور قال فيها :

"الوحدة هي مصير كل روح عظيمة"


تأملت العبارة طويلاً ، لا من باب التأثر السريع بمقولات فلاسفة.

بل لأن شيئا في داخلي اهتز، كأنها وضعت إصبعها على وهنٍ خفي في قلبي .

- فكرت ، هل حقاً الوحدة مصير كل روح عظيمة؟

هل كلما اتسعت الروح، ضاقت بالناس؟

- كلما فكرت فيما خلف المعنى، وخبرتي بالحياه أدركت أن الوحدة لا تأتي لأننا نرفض الآخرين.

بل لأننا لا نجد في حضورهم ما يشبهنا

ولا في كلامهم ما يشبه لغتنا.

- الوحدة هنا ليست عزلة الجسد، بل عزلة الفهم ، عزلة الفكر.

عزلة الروح التي تتكئ على جدار داخلي لا يراه ولا يشعر به أحد .


- الروح العظيمة، كما فهمت من مقولة شوبنهاور لا تكتفي بالقشور.

هي تبحث عن المعنى حتى في أبسط التفاصيل.

وحين لا تجد صدى لعمقها، تعود إلى صمتها.

تنسحب لا كبرياء، بل لأنها أرهقت من شرح ما لا يُشرح، ومن انتظار من لا يأتي.

لكن، وعلى الرغم من إيماني بجوهر ما قاله

أجد أن الوحدة ليست حتمية.

هي مرحلة وإن طالت  لا تعني الانغلاق المطلق،بل تعني نضج مؤقت.

تنسحب فيه الروح لترمّم نفسها، لتعيد ترتيب صوتها الداخلي.

ثم تعود أقوى، أصفى، وأعمق.


- أنا لا أمجّد الوحدة، لكنها أحيانًا الطريق الوحيد لفهم الذات.

وحين تُفهم الذات، يصبح الآخر خيارا لا ضرورة.


"تُولد الأرواح العظيمة وفي داخلها عزلتها لا لأن العالم يرفضها.

بل لأنها ترى فيه ما لا يُرى، وتسمع في صمته ما لا يُقال ، فكلما اتسع الوعي، ضاق الجمع.

وكلما اشتدّ النور في الداخل، ازدادت الوحشة من الخارج .


- لهذا لم تكن الوحدة يوما خيارا، بل قدرا تكتبه الحساسية المفرطة.

والعقل الرافض للسكون.

والقلب الذي لا يرضى بالنصف أو الظل أو الزيف.

الروح العظيمة لا تكتفي بالسطح

 إنها تفتّش عن العمق حتى في التفاصيل العابرة.

تتأمل وجوه العابرين، وتستشعر ما خلف الابتسامات.

تُصغي لما لا يُقال، وتحمل فوق كتفيها أوزانًا لا يراها أحد.

- الوحدة هنا ليست عزلة اجتماعية

بل عزلة فكرية، نفسية وجودية

عزلة من نوع خاص، لا تنكسر بصوت، ولا تلتئم بحضور.

وحين تحاول هذه الأرواح العظيمة أو المكلومة أن تشرح ألمها، تُتّهم بالمبالغة

وحين تصمت، يُقال إنها متكبرة

لكن الحقيقة أنها فقط مُرهقةمن تفسير ما لا يُفهم، ومتعبة من طرق أبواب لا تُفتح.


-  وعندما قال جبران خليل جبران :

"لقد وُلدتُ غريبا، وأعيش غريبا، وسأموت غريباً"

هذا ليس حزن، بل اعتراف واعٍ

فالغُربة الحقيقية ليست في المكان، بل في الإحساس بين الجموع، في التفرّد الذي لا يجد صدى، وفي الفهم الذي ربما لا يلقى فهما.

إنه ذلك  الصمت الغريب الذي يشبه عتاب لا نهاية له، والانعزال الذي لا ينبع من كراهية الناس.

بل من شعور عميق بأن لا أحد منهم يراك حقيقةً.

- فإذا رأيت إنسان ينسحب من الصخب ويؤثر الزوايا الهادئة فلا تحكم عليه.

ربما يحمل في صدره روحا عظيمة واحزانا أعظم.

قدرُها أن تسكن العزلة،حتى وإن تاقت للدفء يوماً .

- فليس كل صمت هدوء وإكتفاء ،فبعضه ضجيج لا يُحتمل ألم لا يحتمل.

- الوحدة ليست دائما  بهروب، بل بحث

والانعزال ليس رفضا، بل تأمل.

وبين التأمل والبحث، تولد الكتابة والفن والإبداع ولربما تُشفى الأرواح

- فحين تعجز الكلمات عن التعبير، يصبح الصمت لغة، والعزلة وطنا مؤقتا تُرمم فيه الروح ما أفسدته الحياة .

- لكن، وأنا أقرأ مقولة شوبنهاور

" لم أستسلم لقدرية المصير كما صاغها، بل شعرت أن العزلة، رغم قسوتها، ليست نهاية الطريق"

صحيح أن الأرواح العظيمة تعبر نهر الحياة بمفردها.

لكنها – في لحظات ما – تتوق لرفقة لا تُخدش، لصوت لا يُفسد الصمت، لوجود يجاور وجودها دون أن يبتلع نوره لرأفة ورحمة وفهم عميق لأوجاعك.


- الوحدة ليست دائما عذاب، لكنها ليست بخلاص أيضاً .

هي حالة مؤقتة ،ضرورية أحيانًا

قاتلة أحيانًا .

لكنها في النهاية ،امتحان حقيقي للذات:

هل ستضيع في صدى صوتك؟

أم تعبر العزلة إلى نور أرحب.


"فالوحدة قد تكون مصير الأرواح المفكرة او المعذبة، لكنها لا يجب أن تكون نهايتها"

google-playkhamsatmostaqltradent