أرض الفيروز
كتب - جمال مختار
تُعتبر شبه جزيرة سيناء منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة نظرًا لموقعها الذي يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، مما جعلها على مر العصور محل اهتمام القوى الكبرى.
تاريخ سيناء حافل بالأحداث والمعارك التي شهدت تداخلات حضارية متعددة أثّرت بشكل مباشر على تاريخ مصر والمنطقة بأسرها. المقال التالي يستعرض تاريخ سيناء ودورها كمسرح للحروب والمعارك.
التاريخ القديم لسيناء
العصور القديمة
لقد كانت سيناء مأهولة بالبشر منذ القدم حيث تشير الأدلة الأثرية إلى وجود الانسان فيها منذ العصر الحجرى.
ولقد استخدمها المصريون القدماء كمصدر للمعادن لا سيما النحاس والفيروز حيث تعتبر سيناء من المناطق الأثرية القيمة في التعدين.
في تلك الأزمنة، كانت تعرف سيناء بـ"بياعما" بالعربية القديمة وتعني الأرض السافلة.
عصر الفراعنة
في الأزمنة الفرعونية، كانت سيناء بؤرة اتصال رئيسية بين مصر وما يُعرف الآن بفلسطين والشام.
أطلق المصريون الفراعنة العديد من الحملات العسكرية عبر سيناء لحماية حدود مصر الشرقية وللتوسع والسيطرة على الأراضي الخصبة في الشرق الأدنى.
العصور الوسطى
الفتح الإسلامي
في القرن السابع الميلادي، شهدت سيناء واحدة من أكثر الأحداث تأثيرًا في تاريخها، وهي الفتح الإسلامي.
ضمن خطة المسلمين لنشر الإسلام في شمال أفريقيا، قام الجيش الإسلامي بالتحرك عبر سيناء بقيادة عمرو بن العاص لتحرير مصر من الحكم البيزنطي.
كان لهذا الفتح تأثير كبير في توجيه الأحداث التاريخية في المنطقة وتبديل ديناميكية القوى فيها.
الحروب الصليبية
لاحقًا، لعبت سيناء دورًا محوريًا خلال الحروب الصليبية. لقد كانت سيناء جزءًا من الطريق البري الذي استخدمته الحملات الصليبية للتحرك من أوروبا إلى القدس.
حافظ المسلمون، وخاصة خلال فترة حكم صلاح الدين الأيوبي، على السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، وذلك لحماية العمق الاستراتيجي لمصر ولضمان تأمين خطوط الإمداد والحماية للمقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة.
العصر الحديث
الحملة الفرنسية
خلال القرن التاسع عشر، سعت القوى الأوروبية الكبرى للسيطرة على مصر كمفتاح جغرافي هام يُمكنها من بسط نفوذها في الشرق الأوسط.
في هذا الصدد، قامت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت بالانتقال عبر سيناء خلال سعيها للوصول إلى مصر.
ومع أن الحملة انتهت بالفشل، إلا أن أهميتها التاريخية لا تزال قائمة.
الاحتلال البريطاني
في أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت سيناء جزءًا لا يتجزأ من المستعمرات البريطانية في إفريقيا.
استخدمتها بريطانيا كمنطقة عسكرية استراتيجية خلال الحرب العالمية الأولى حيث شهدت العديد من المعارك بين القوات البريطانية والعثمانية، منها معارك غزة وبئر السبع.
الصراع العربي الإسرائيلي
حرب 1948
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 أصبحت سيناء منطقة صراع رئيسية في الحروب العربية الإسرائيلية.
ومع اندلاع حرب 1948، شهدت سيناء اشتباكات بين القوات المصرية والإسرائيلية.
لعبت سيناء دور المدخل لمصر لتحريك قواتها سريعًا للدفاع عن الأراضي الفلسطينية.
حرب 1956
في عام 1956، شنت إسرائيل، بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، هجومًا ثلاثيًا على مصر عرف بالعدوان الثلاثي.
كان لهذا الهجوم نتيجة مباشرة تتعلق بالسيطرة على قناة السويس، إذ استخدمت إسرائيل سيناء كنقطة انطلاق رئيسية لعملياتها العسكرية.
حرب 1967
وفي عام 1967، تعرضت مصر لهزيمة قاسية في حرب الأيام الستة، حيث استطاعت إسرائيل السيطرة على كامل شبه جزيرة سيناء.
كانت هذه الحرب نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أنتجت سنوات من التوتر والصراع في المنطقة.
حرب 1973
شهد عام 1973 حرب أكتوبر، حيث شنت مصر هجومًا مفاجئًا على القوات الإسرائيلية في سيناء في محاولة لاستعادة الأراضي المحتلة.
تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس وتحرير أجزاء واسعة من سيناء قبل وقف إطلاق النار.
اتفاقية السلام واستعادة سيناء
لاحقًا، وبسبب الجهود الدبلوماسية المكثفة، تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978، والتي أسفرت عن استعادة مصر لكامل أراضي سيناء بحلول عام 1982، فيما عدا منطقة طابا التي جرى تسويتها عبر التحكيم الدولي في عام 1989.
النهاية
تعتبر سيناء أحد الشواهد الكبرى على صلابة وقوة الشعب المصري في مواجهة الأطماع الخارجية على مدار التاريخ.
بفضل موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية، كانت ولا تزال محط اهتمام الدول الكبرى والصراعات الإقليمية.
إنها تمثل رمزًا للصمود والاستمرارية والتاريخ المشترك للمنطقة.
سيناء ليست فقط بوابة لمصر، بل هي أيضًا مفتاح لفهم الأحداث التاريخية والسياسية التي شكلت الشرق الأوسط عبر العصور.