دور الأدب في حياتنا ( ٢ )
بقلم : الكاتبة والروائية الدكتورة سعدية العادلي
متابعة لدور الأدب في حياتنا على صفحات السوشيال ميديا ، حيث تناولت البرامج التلفزيونية الحديث عن حادثة مؤسفة لطالبة وأختها في المرحلة الثانوية تعتديان على تلميذة في الصف السادس الابتدائي، وتضربانها بقسوة في فناء المدرسة بحضور الزملاء والزميلات.
بعضهم يشجع، وبعضهم يضحك، وبعضهم يصور باهتمام، فالحادثة ستكون "ترندًا" يجلب لهم مالًا وفيرًا. وفعلاً، أصبحت هذه الحادثة "ترندًا"، فكل من يسمع عنها يستاء ويتعجب، ثم يبحث عن الفيديو لرؤيته.
الطفلة الصغيرة المعتدى عليها أصيبت بإصابات خطيرة، وأُجريت لها عملية جراحية في الأنف. هذا ما ظهر لنا إعلاميًا وصُوّر على الميديا، وصورتها يندى لها الجبين. أصبحت القضية قضية رأي عام فتفضل السيد وزير التعليم - مشكورًا بإصدار قرارات تأديبية وإدارية بحق المدرسة والطلاب الذين حضروا الواقعة.
والواقعة الآن معروضة على القضاء
نادى الجميع، من كل فئات المجتمع، بعودة التربية قبل التعليم، وبأن طلبة المدارس يجب أن يكونوا محترمين.
والسؤال هنا :
هل هذه الإجراءات كافية لحماية أبنائنا من مثل هذه الممارسات السيئة والخطيرة مستقبلًا؟
وكيف يعرف أبناؤنا معنى كلمة "محترم" كي يكونوا من المحترمين؟
وهل مجرد معرفة المعنى كافية لكي يصبحوا محترمين؟
فالمحترم قد نال قسطًا وافيًا من التربية والتربية سلوك وتصرفات يعتادها الأطفال منذ نعومة أظفارهم، بدءًا من الأسرة، ثم المدرسة، فالبيئة المحيطة. ومن المهم أيضًا وجود القدوة.
لقد تعددت المصائب المخجلة التي استجدت على المجتمع المصري، وللأسف إذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا بعيدًا عن المجاملات والشو والترندات - وهذه آفات المجتمع التي تزداد وتتفاقم يومًا بعد يوم بل لحظة بعد لحظة - فسنجد أن المادة تقدمت في حياتنا بشكل كبير، وفئة كبيرة تركب الموجة.
انتشرت الرشوة باختلاف أنواعها، والنفاق أصبح يزكم الأنوف، والغش والكذب باتا متفشيين، وكل منا يتحدث عن هذه الآفات ويتأفف، وعجبي! والطامة الكبرى أن من انتشرت بينهم هذه الآفات هم من أغنياء القوم، سكان الأماكن الراقية الباهظة الثمن، الذين ينفقون ببذخ على أبنائهم ويلبون احتياجاتهم وطلباتهم التي قد تنفعهم وقد تضرهم.
فالمبالغة في تلبية طلبات الأبناء تفقدهم الدافعية نحو الدراسة والعمل، فكل متطلبات الحياة ورفاهيتها أصبحت متاحة لهم. لم يترك هؤلاء الآباء لأبنائهم شيئًا يحققونه لأنفسهم بأنفسهم. هذه الفئة هم رواد مدارس اللغات والإنترناشونال، ولا أقول كلهم، ولكن أقول البعض، فمنهم المحترمون المهذبون إلى أقصى درجات العلم والمعرفة.
أما الأسر، فتنقسم إلى قسمين
أسر غنية ميسورة جدًا
أسر تكافح وتجاهد وتعمل ليل نهار لتوفر لأبنائها مكانًا في هذه المدارس
ولكن النتيجة واحدة، فالطالب المدلل فاقد الدافعية للتعلم، وفي يده من الأموال ما ينفقه ببذخ في الحفلات والحصول على كل ما يريد، وغالبًا ما يقع تحت سطوة مروجي المخدرات وما يتبعها من تصرفات غريبة ومسيئة.
أما الفئة الثانية، وهي الأسر المكافحة فتنشغل بتحسين مستوى الأسرة، ويعمل الأبوان ليل نهار، فيكونان مغيبين عما يحدث لأبنائهم.
والنتيجة واحدة غياب دور الأسرة وعدم المتابعة ، غياب دور المدرسة التربوي نتيجة الاهتمام بالتعليم فقط.
المعلم المثقل بأعباء التحضير والتصحيح والتقييم والتقويم ووضع الامتحانات ليس لديه الوقت لتحقيق الأهداف الوجدانية
أو ملاحظة وتقويم سلوك الطلاب.
ومن ناحية أخرى، يتم الاستعانة بمعلمين غير مؤهلين، ليس لديهم خبرة بالخلفية التربوية، ولا يعرفون كيفية التصرف والتعامل في المواقف المختلفة.
وأحيانًا يتدخل العوز والفقر المادي فيضطر المعلم إلى تصرفات غير لائقة فيتنازل عن حقه، ويظهر بصورة مهينة اجتماعيًا، مما يسيء إلى العملية التعليمية كلها.
الموضوع كبير، ويجب أن يؤخذ بجدية وموضوعية، ودراسة المشكلة من جميع جوانبها، فالعلم بلا تربية نتاجه ما يحدث اليوم.