اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

مدينة هرقليون : أسطورة ابتلعتها الأمواج وعادت من غياهب النسيان

 مدينة هرقليون : أسطورة ابتلعتها الأمواج وعادت من غياهب النسيان




      مدينة هرقليون 

كتبت - دكتوره ميرنا القاضي 


تخيل أنك تغوص في أعماق البحر الأبيض المتوسط، حيث السكون يلف المكان وفجأة تظهر أمامك أعمدة معابد عملاقة وتماثيل فرعونية غارقة، ونقوش غامضة تحكي قصة مدينة كانت يوماً ما نابضة بالحياة. مدينة ابتلعتها الأمواج، وظلت في طي النسيان لقرون، حتى جاء من أيقظها من سباتها العميق. 

هذه ليست خيالًا، بل حقيقة تحمل اسم هرقليون، المدينة الأسطورية التي كانت بوابة مصر إلى العالم القديم.



هرقليون: حينما كانت الملوك تعبر من هنا

في العصور القديمة، كانت مدينة هرقليون (المعروفة أيضًا باسم ثونيس) واحدة من أعظم مدن مصر، وهي ميناء رئيسي ازدهر عند مصب الفرع الكانوبي للنيل.


 قبل أن تؤسس الإسكندرية، كانت هذه المدينة المركز التجاري الأهم لمصر، حيث استقبلت التجار والمسافرين من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وشهدت مرور الفراعنة والملوك الأجانب الذين كانوا يأتون لأداء الطقوس الدينية قبل دخول أرض النيل.




وُصفت هرقليون في كتابات المؤرخين الإغريق مثل هيرودوت، الذي أشار إليها كميناء فخم يزخر بالمعابد والأسواق والقصور، لكنها اختفت فجأة، وكأنها لم تكن، تاركةً خلفها لغزًا محيرًا ظل بلا إجابة لمئات السنين.



الاختفاء الغامض: كيف سقطت المدينة في أحضان البحر؟

لفترة طويلة، لم يكن هناك دليل قاطع على وجود هرقليون، وكانت مجرد قصة في كتب التاريخ. 

لكن العلماء اليوم يرجحون أن المدينة تعرضت لسلسلة من الكوارث الطبيعية

 مثل الزلازل والتسونامي، مما أدى إلى انهيار أرضها الغرينية تدريجيًا، حتى غاصت بالكامل تحت سطح البحر بحلول القرن الثاني قبل الميلاد.


المدينة كانت مبنية على أراضٍ طينية غير مستقرة، مما جعلها عرضة للانهيار عندما اجتمعت عوامل طبيعية عنيفة، دفعتها في النهاية إلى الاختفاء تحت مياه البحر المتوسط، وظلت مخفية عن الأعين لأكثر من ألفي عام.




إعادة اكتشاف هرقليون: الغواصون يعيدون كتابة التاريخ

في عام 2000، قاد عالم الآثار البحرية فرانك جوديو فريقًا من المستكشفين في رحلة للبحث عن آثار مغمورة قرب سواحل الإسكندرية، وبينما كانوا يمشطون قاع البحر، اكتشفوا مدينة كاملة غارقة، مغطاة بطبقات من الرمال والطمي.


كان المشهد مذهلاً: معابد ضخمة لاتزال أعمدتها قائمة، نقوش فرعونية ويونانية تماثيل لآلهة مصرية، وميناء كامل يشهد على ازدهار المدينة في زمنها الذهبي.

 من بين القطع الأثرية الأكثر روعة، تم العثور على تمثال ضخم للإله حابي، إله فيضان النيل، إضافةً إلى بقايا معبد آمون الذي كان من أهم مراكز العبادة في المدينة.



كنوز هرقليون: أسرار تنكشف تحت الماء

مع استمرار عمليات البحث والتنقيب ظهرت العديد من الكنوز الأثرية التي أعطتنا لمحة عن الحياة في هذه المدينة المفقودة.

 ومن بين الاكتشافات المدهشة:

ألواح حجرية منقوشة بالهيروغليفية، تروي قصصًا عن طقوس دينية ومراسيم ملكية.


عملات ذهبية وأوانٍ فخارية، تشير إلى التجارة المزدهرة التي كانت تربط مصر بالعالم اليوناني والروماني.





سفن تجارية غارقة، بعضها لا يزال محملًا بالبضائع، مما يكشف عن دور هرقليون كميناء رئيسي.



لماذا هرقليون مهمة للعالم اليوم؟

إعادة اكتشاف هرقليون لم يكن مجرد إنجاز أثري، بل كان بمثابة نافذة زمنية سمحت لنا بفهم تاريخ التفاعل بين الحضارتين المصرية واليونانية.




 المدينة كانت شاهدة على انتقال مصر من العصر الفرعوني إلى العصور الهلنستية حيث اندمجت الثقافات وتلاقحت الأفكار.


كما أن موقعها يقدم أدلة ثمينة عن تأثير التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية على المدن القديمة، وهو درس مهم للعلماء المعاصرين الذين يدرسون ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيره على المدن الساحلية اليوم.


هرقليون: مدينة عادت للحياة بعد 2000 عام

لطالما كانت الأساطير حول المدن الغارقة تجذب خيال البشر، لكن هرقليون لم تعد مجرد أسطورة.

 اليوم، بفضل التكنولوجيا الحديثة وأبحاث علماء الآثار، نعرف أنها كانت مدينة حقيقية، مزدهرة، ثم ابتلعها البحر.





لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل هناك مدن أخرى غارقة تنتظر أن نكتشفها؟

 ربما يكون البحر الأبيض المتوسط ما زال يخفي المزيد من الأسرار، التي قد تغير نظرتنا للتاريخ من جديد.


فهل نحن مستعدون لكشف المزيد من المدن المفقودة؟

google-playkhamsatmostaqltradent