دِمَاءُ البُرْتُقَالِ
قصة بقلم الكاتبة : منال خليل
داخل عقل " سليمان "
بالنسبة له، العالم كان مرآة كبيرة تعكس صورته، لم يكن يرى الناس كأشخاص حقيقيين، بل كأدوات، كوسائل، كامتدادات له لتحقق له مايريد.
لم يكن يفكر في الحب كما تفكر فيه "حبيبة" لم يكن يبحث عن شريك، بل عن انعكاس مثالي لما يريد أن يراه في نفسه.
كان ماهرا في بناء شخصياته، رجل لطيف أمام الجميع، مثقف، حساس، كريم، يدعو الشابات من حوله بـ"حبيبتي" يمسك أيديهن بلطف، يجعل كل واحدة منهن تعتقد أنها الأقرب والاكثر تميزا.
لكنه في الحقيقة لم يكن يرى أي واحدة منهن مميزة، لأن لا أحد كان مميزًا في عينيه سوى نفسه.
كان يمضي في علاقاته كما يمضي في صفقاته، كل شيء كان محسوبا :
متى يتحدث؟
متى يختفي ليجعلها تشتاق؟
متى يمنحها شيئًا او وعدا صغيرا حتى تظل متمسكة به لتبقى في دائرته؟
متى يسحب نفسه فجأة لتشعر أنها فقدت كل شيء!!! متى يدخل طرف ثالث ليجرح أنوثتها بالعمق ويجعلها تهتز .
- كان يملك كل ادوات ذلك النرجسي الخفي ويتحكم بحبيبة مثل خيوط الدمى وحين بدأ يرى علامات التمرد في عينيها لم يشعر بالخوف، بل بالإثارة يدور عقله :
كم ستتحمل قبل أن تنهار؟
هل ستظل تلهث خلفي، أم ستكرهني وتبقى عاجزة؟
لن تتركني، وإن فعلت، ستظل معلقة بي للأبد .
لم يكن يتخيل أبدًا أنها ستحمل السكين بمواجهته.
حين شعر بالنصل يخترق صدره، لم يكن الألم هو ما صدمة ، بل المفاجأة.
هو الذي توقع كل شيء، الذي كان يعرف كيف تتحرك، الذي ظن أنه مسيطر حتى النهاية.
لكن في تلك اللحظة، أدرك أنه خسر .
أدرك أنها رأت وجهه الحقيقي، وأنها
في النهاية، لم تكن دمية كما اعتقد
كان يريد أن يصرخ، لكنه لم يفعل.
كان يريد أن يقول شيئا، لكنه لم يقل.
لأول مرة، لم يكن لديه كلمات ناعمة جاهزه كالمعتاد ثم سقط.
- كان لونها برتقاليا نابضا بالحياة، لكنها سالت ببطء، ثقيلة، كأنها تحمل سرًا غامضا لا يُقال قطرات لزجة انسابت فوق الطاولة
امتزجت بالنصل الحاد الذي شق القشرة بسهولة، كأنها لم تكن مجرد فاكهة بل كائنا حيا يُذبح بصمت.
عندما انقسمت البرتقالة إلى نصفين، لم يكن هناك مجرد عصير، بل مشهد دمويّ صغير، كأنها قلب جُرِح فجأة وانفتح ليكشف عن داخله السكين التي كانت بين يدي " حبيبة " تلك التي اعتادت استخدامها بحب، صارت شاهدة على شيء لم يكن حبا أبدا.
نظرت إلى " سليمان " ثم إلى أصابعها الملطخة بذلك السائل البرتقالي، لم تعرف إن كان عصيرا أم شيئا آخر شيء يشبه دمها، قلبها، روحها التي مزّقها بصمته وأفعاله القاتله .
في الخلفية، كان صوت المروحة بالسقف التي تدور ببطء، وكانت الذكرى الأخيرة تترسّب داخل عقلها، كما يترسّب عصير البرتقال المخلوط بالدم على نصل السكين .