بَيْنَ لَحَظَاتٍ مَضَتْ وَأُخْرَى لَنْ تَأْتِي
بقلم : الكاتبة منال خليل
سأله طبيبه المعالج أمازلت تحبها ؟
أجابه حائراً :
لم أكن أعلم تماماً كيف يكون هو الحب ومازلت ولكنى أشعر بها دوماً، كما لو أنها تغفو بعمق روحي .
تنام هناك كنبض خفي لا يتوقف، كظل يرافقني حتى في العتمة كلما حاولت إزاحتها عن فكري، وجدت ملامحها قد ارتسمت في زوايا ذاكرتي كالنقش الذي لا يزول.
كنت أسمع ضحكتها بين الجدران الصامتة وأشعر بأنفاسها في الفراغ المحيط بي حين أكون وحيداً، لا تهدأ ذكرياتي، بل تتحول إلى شريط سينمائي يعيد مشاهدنا معا، وكأن الزمن يأبى أن يمحوها.
ربما الحب ليس ما اعتقدته يوماً، لكنه حتماً هذا الشعور الدائم بالانتماء إلى غائب، هذا الألم الرقيق الذي يربط قلبي بشيء لم يعد موجوداً، أو ربما لم يكن موجوداً سوى في أوهامي.
-كنت أقول لنفسي إنني تجاوزتها، لكن في لحظات الصمت، كنت أجدها تجلس هناك تبتسم لي كما لو أنها تعرف أنني لن أهرب منها أبداً.
وهل هي تشعر بك؟
سأله الطبيب بنبرة حذرة
لا أدري، ربما ، لكنني لا أستطيع أن ألومها إن كانت قد نسيتني، فأنا بالكاد أتذكر نفسي قبلها.
وكأن وجودي بدأ معها، وانتهى حين غابت صارت ذاكرتي مثل صفحة بيضاء، لا تحمل سوى خطوط باهتة من ملامحها، وكلماتها التي تلاشت، لكنها ما زالت ترنّ في أذني كصدى جميل بعيد.
كل ما تبقى مني الآن هو شبح يطارد ماضيه أعيش بين لحظة مضت ولحظة لن تأتي.
أبحث عنها في تفاصيل الحياة اليومية
في زحام الشوارع، في عيون البشر
كأنني أتوهم أنني سأعثر على قطعة
من روحها تختبئ في مكان ما، تنتظرني لأجمعها وأعيد ترميم نفسي.
وماذا لو لم تعد؟ ماذا لو لم تجدها أبدا؟
نظر إلى الطبيب بعينين فارغتين، وكأنهما تحملان صراعاً لا ينتهي، ثم قال بصوت مبحوح:
- ربما لم أكن أبحث عنها حقا ؛ ربما أبحث عن تفسير لما حدث، عن سبب يجعل هذا الفراغ الذي يسكنني أقل وطأة ،أبحث عن طريقة لفهم كيف يمكن للحب أن يخلق كل هذا الخراب، وكيف يمكن أن يُحيي شخصاً ثم يتركه هكذا، يتهاوى في الظلام وحده
صمت لحظة، كأن الكلمات تخنقه، ثم تابع:
لكنني أعلم شيئا واحدا، أنها مهما ابتعدت
ستظل هي المكان الذي أرغب دائما في العودة إليه، حتى لو كان ذلك مجرد خيال أعدو خلفه بلا نهاية.
أغمض عينيه، وكأنما يحاول أن يهرب إلى الداخل، إلى تلك المساحة المظلمة حيث لا أحد يراه، وحيث يظل حبها، كجمر تحت رماد الروح، لا يبرد أبدا.
" الحب قد يرحل، لكن أثره يبقى محفوراً في الروح، يُعيد تشكيلنا حتى وإن ظننا أننا لم نعد كما كنا "