الحرف رمز الهوية بالمغرب
الحرف رمز الهوية بالمغرب
بقلم الكاتبة : د . أمينة المهدي
إن النسج والغزل من أولى الصناعات التي قام بها الإنسان البدائي منذ نهاية العصر الحجري القديم.
وقد اكتشف علماء الأنثروبولوجيا نماذج أقمشة بدائية توجد حالياً بمتاحف سويسرا والدنمارك والقاهرة والتي توثق لذلك.
فصناعة النسيج لها تاريخ عريق متشابه ومتشابك عبر الزمان والمكان.
والنسيج هو مجموعة من الخيوط المغزولة معاً كي تكون قماشا، وقد تضاف مكونات أخرى عليه مثل:
الألوان، وبعض المجوهرات التقليدية فيصبح القماش المنسوج ذا تصميم جميل ومميز، وقد يقوم البعض بنسج الصوف أو القطن او الكتان وحياكته بأنفسهم لصناعة ملابسهم البسيطة. ويمر النسيج من مراحل عدة حتى الوصول الى خزانة الملابس، وللحصول على هذا النسيج يعتمد الإنسان على مصدرين رئيسيين، وهما:
الألياف الطبيعية التقليدية من النباتات كالقطن والكتان أو مصدر حيواني كالصوف؛ وهناك كذلك حاليا الألياف الصناعية الحديثة من عجينة الخشب وبقايا القطن وغيرهما.
يعتبر الصوف من أهم مواد النسج بالمغرب ومنذ القدم، وصناعة النسيج هي الأخرى من أقدم الصنائع التقليدية بالمغرب.
يجز صوف وينظف من الأوساخ والشوائب وينشف و يمشط كي يتم تحويله إلى خيوط مغزولة جاهزة للاستعمال. وقديما كانت تستعمل لصباغته مواد نباتية كقشرة شجر التفاح أو الرمان أو الزعفران أو جدور الفوة أو النيلة أو مواد معدنية.
عندما استقر الأمازيغ بالمغرب على جبال الأطلس وسهوله المجاورة قبل حوالي 1500 سنة قبل الميلاد حملوا معهم هذه الصناعة، وتعلموا من الفينيقيين تقنية صباغة الصوف. وإثر الفتوحات الاسلامية تطور هذا النشاط تطورا كبيرا خلال القرن السابع الميلادي حيث ظهرت رموز وصور جديدة وأشكال هندسية دقيقة من الفن الإسلامي.
ومن أهم الصناعات التي يستخدم فيها الصوف كمادة خام للنسج نذكر الزرابي وهي أساسية في كل البيت، وتنسج في جميع أنحاء المغرب بالبوادي والحواضر وكل مدينة أو قبيلة لها خصوصيات في زخرفتها مما يجعل التعرف عن القبيلة من خلال الزربية، فكل نوع يعرف عن أصله بحمل اسم القبيلة التي ينتمي إليها.
إن القبائل الأمازيغية الأطلسية تصنع الزرابي من الصوف الخالص وتزركشه برموز هندسية بسيطة وحروف من "خط تيفينار" خاص باللغة الأمازيغية، فهي عناصر لا تخلو زربية منه ولا يمكنها الاستغناء عنه. وقد تستعمل فراشا للأرضية أو غطاء إذا كانت خفيفة، كما قد تستعمل لتزيين الجدران. وكل هذه الرموز والألوان لها دلالات وعلامات عن القبيلة.
فهناك زرابي الأطلس المتوسط وزرابي الأطلس الكبير وزرابي حوز مراكش وزرابي المغرب الشرقي، وزربية فاس وزربية الرباط، كلها أسماء تدل على غنى وتنوع الزربية المغربية.
وهي نوع من السجاد التقليدي يصنع يدويا من طرف فتيات ونساء يتقنون الحرفة.
فنسج الصوف في البوادي الأمازيغية يعتبر من مهام الفتيات والنساء ومن بديهيات الحياة القروية، فكلهن يحك وينسجن فهي رمز من رموز الهوية.
ويحاك الصوف يدويًا باستخدام تقنيات قديمة متوارثة جيلا بعد جيل.
وتقوم النساء بحياكة الزرابي بإبداع كبير ومخيلة خصبة ودون أن تستعين بتصميم مرسوم أو غيره، وكل عقدة أو غرزة في النسيج تروي حكاية، وكل خيط يتشابك مع الآخر يخلق لوحة من الأحلام لصانعاتها.
وتختلف زربية البادية عن زربية المدينة من حيث الشكل والألوان، فهذه الأخيرة أكثر فخامة، أما زرابي البادية فتوصف بالبساطة وطرافة أشكالها وغرزها، تزينها أشرطة عرضية بارزة مزخرفة وملونة وجميلة والزربية المغربية معروفة عالميا بالجودة والإتقان.
ومن أجمل الزرابي الأمازيغية والأكثر انتشارا وطلبا هي زربية تازناخت، نسبة للقرية الساحرة التي تنسج فيها.
إنها القلب النابض لهذه حرفة ولقرون عديدة، أدمج الأمازيغ تاريخهم وروحهم واتصالهم العميق بالأرض في كل عقدة او غرزة.
إن الزربية المغربية ليست مجرد قطعة ديكور بمنزل، بل هي تعبير عن الهوية الثقافية والفنية لصانعها، فخيوط الصوف في يد الحائكة تتحول إلى قصائد مكتوبة
وفي كل عقدة تربطها، يتجلى سرّ من أسرار الكون، وعندما يكتمل النسج تتجلى الحكمة في صورة جميلة وفريدة.