تانيس : مدينة الأسرار والكنوز في قلب دلتا النيل
تانيس : مدينة الأسرار والكنوز في قلب دلتا النيل
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
مرشدة سياحية وباحثة في علم المصريات والشرق الادني
في قلب دلتا النيل، حيث تتشابك مياه النهر مع خضرة الأرض، تقع مدينة تانيس القديمة، جوهرة الحضارة المصرية التي تلمع بأسرارها عبر العصور.
هنا، في صان الحجر، تتنفس الأحجار حكايات ملوك عظماء ومعابد شامخة ومقابر ملكية مهيبة.
تانيس، التي كانت تُعرف بطيبة الشمال ليست مجرد مدينة أثرية، بل هي نافذة تطل على ماضٍ مجيد، حيث كانت عاصمة مزدهرة لمصر السفلى ومركزًا تجاريًا واستراتيجيًا هامًا.
تاريخ تانيس
تقع تانيس في مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، على بعد حوالي 200 كيلومتر شمال شرق القاهرة.
كانت المدينة تقع على الفرع التانيسي لنهر النيل، مما جعلها مركزًا تجاريًا واستراتيجيًا هامًا في العصور القديمة.
تأسست تانيس في أواخر عهد الأسرة العشرين، وازدهرت كعاصمة شمال مصر خلال عهد الأسرة الحادية والعشرين.
كانت المدينة مسقط رأس سمندس مؤسس الأسرة الحادية والعشرين، وظلت عاصمة مصر السياسية خلال عهد الأسرة الثانية والعشرين.
معابدها ومقابرها الملكية، التي اكتشفها عالم المصريات الفرنسي بيير مونتيه تحمل في طياتها كنوزًا ذهبية ومجوهرات وأقنعة جنائزية رائعة، تعكس عظمة وثراء تلك الحقبة.
الآثار والمعابد
تحتضن تانيس العديد من المعابد والمقابر الملكية التي تعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة، من أبرز هذه الآثار:
معبد آمون
يعد من أكبر المعابد في تانيس، ويشبه في تخطيطه معابد الدولة الحديثة و يحتوي على بقايا صرح ومسلات وأعمدة وتماثيل مزدوجة ومفردة، بالإضافة إلى نقوش هيروغليفية ومناظر دينية.
مقابر الملوك
مثل مقابر بسوسنس الأول وأمينيموبي وشوشنق الثاني، التي اكتشفها بيير مونتيه في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي تحتوي هذه المقابر على كنوز ذهبية ومجوهرات وأقنعة جنائزية رائعة.
مقبرة أوسركون الثاني
تحتوي على نقوش ومناظر دينية، وتعد واحدة من أهم المقابر الملكية في تانيس حيث تعكس عظمة حكم أوسركون الثاني من الأسرة الثانية والعشرين.
المقابر الشعبية
بالإضافة إلى المقابر الملكية، تم اكتشاف المقابر الشعبية التي تحتوي على مومياوات وأدوات يومية تكشف عن حياة الطبقات العادية في تلك الحقبة.
الحياة اليومية والثقافة
الحياة اليومية في تانيس كانت غنية ومتنوعةو الاكتشافات الأثرية تشمل أدوات منزلية، مجوهرات، وألعاب أطفال تم العثور على العديد من الأواني الفخارية الزخرفية والنقوش الجدارية التي تعكس الحرفية والفنون التقليدية للعصور القديمة في تانيس مما يعطينا لمحة عن الحياة اليومية لسكان تانيس.
اكتشافات حديثة
في عام 2009، تم اكتشاف موقع البحيرة المقدسة لمعبد الإلهة موط في تانيس وهي ثاني بحيرة مقدسة يتم العثور عليها في هذا الموقع، مما يضيف بُعدًا جديدًا لفهمنا للطقوس الدينية في مصر القديمة.
تانيس تظل مدينة مليئة بالأسرار والكنوز التي لم تُكتشف بعد ومع كل اكتشاف جديد، نتعلم المزيد عن الحضارة والثقافة التي ازدهرت في هذه المدينة الغامضة.
تانيس ليست مجرد موقع أثري، بل هي قصة ترويها الأحجار، وتستمر في إلهام الباحثين وعشاق التاريخ حول العالم
حيث يمكن للزائرين اليوم أن يتجولوا بين أنقاض المعابد والمسلات ، ويشعروا بروح الحضارة التي ازدهرت هنا منذ آلاف السنين.