لغز الطلب الملكي : بحث عن زوج من بلاد الحيثيين
لغز الطلب الملكي : بحث عن زوج من بلاد الحيثيين
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
مرشدة سياحية وباحثة في علم المصريات والشرق الأدنى
في عمق التاريخ المصري القديم، تكمن قصص وأحداث شغلت العلماء وأثارت فضول المهتمين بالحضارة المصرية.
من بين هذه القصص، تبرز حكاية الأميرة "عنخ إسن آمون" التي خلّفت وراءها لغزًا محيرًا وقرارًا جريئًا لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر القديم.
هذه المقالة تأخذكم في رحلة عبر الزمن لاستكشاف حياة هذه الأميرة الفريدة والظروف المحيطة بالطلب الغامض الذي أرسلته إلى ملك الحيثيين، وكذلك نظرة على حياة زوجها، الملك الشاب
"توت عنخ آمون"
والأسرار التي كشفتها مقبرته المذهلة.
انضموا إلينا لنكشف معًا أسرار الأميرة "عنخ إسن آمون" وعالمها المثير.
عنخ إسن آمون، في لحظة يأس وجرأة غير مسبوقة، خطت خطوة جريئة أثارت جدلاً تاريخيًا.
بعثت برسالة إلى ملك الحيثيين، الأعداء التقليديين لمصر، تطلب منه إرسال أحد أبنائه ليصبح زوجًا لها وملكًا على عرش مصر بعد وفاة زوجها توت عنخ آمون.
كان هذا الطلب بمثابة خروج عن المألوف فلم يُعرف في التاريخ أن امرأة من الأسرة المالكة المصرية تزوجت من أجنبي.
وقد احتفظت الوثائق القديمة بهذه الرسالة كشاهد على هذه الحادثة الفريدة.
الملك الحيثي، مندهشًا من هذا الطلب غير المتوقع، قال:
(إن مثل هذا الطلب لم يقع من قبل طوال حياتى أبدا!).
وهكذا، كشفت المصادر الحيثية عن هذه الصفحة المثيرة للاهتمام في التاريخ المصري، حيث كتبت ملكة مصرية تقول: (لقد مات زوجى وليس لى ولد، وقد قيل عنك إن لديك أبناء كثيرين، فهل تعطينى أحد أبنائك زوجًا لي؟).
لكن من هي ؟
عنخ إسن أمون واسمها يعني أنها تعيش من خلال آمون، ولدت باسم
«عنخس إن با آتون» "إنها تحيا لأجل آتون ،كانت زوجة ملكية عظيمة لشقيقها توت عنخ آمون وخليفته خپر خپرو رع آي وربما كانت الزوجة الملكية العظيمة لوالدها، اخناتون، بعد وفاة والدتها.
لقدظهرت في العديد من المشاهد التاريخية بجانب والديها وزوجها.
عاشت في فترة مليئة بالتغيرات الدينية والسياسية، وقد تُظهر الأحداث التي ارتبطت بها مدى تعقيدات هذه الفترة.
توت عنخ آمون ،الذي حكم في عمر التاسعة وتوفي في التاسعة عشر، كان ابن الملك أخناتون وتزوج من شقيقته
"عنخ إسن آمون" وهو أمر كان شائعًا بين الملوك القدماء للحفاظ على نقاء الدم الملكي.
مقبرته اكتُشفت في وادي الملوك عام 1922 والجميع يعرف "هوارد كارتر" كمكتشف لها، لكن القليل يعرف أن
"حسين عبد الرسول" الطفل المصري الذي كان يحضر الماء للعمال، لعب دورًا محوريًا في الاكتشاف عندما عثر بالصدفة على درجات سلم المقبرة.
ظروف وفاة الملك كانت لغزًا حتى أجرى د. زاهي حواس
ود. سحر سليم
دراسات على موميائه باستخدام الأشعة المقطعية، مما كشف أن توت عنخ آمون تعرض لحادث قاتل قبل وفاته بساعات.
هناك نظريات تشير إلى أنه ربما سقط من عربته الحربية أو تعرض لهجوم من حيوان أثناء رحلة صيد.
الأشعة كشفت أيضًا عن مشاكل صحية مثل "فلات فوت" وأمراض جينية ناتجة عن زواج والديه المُقارب.
الصور التي تُظهر الملك وهو يطلق السهام جالسًا في عربته، بالإضافة إلى اكتشاف 100 عصا في قبره، أثارت تساؤلات حول قدراته الجسدية.
هذه الأدلة تُظهِر أنه ربما كان يعاني من صعوبة في المشي.
"كارتر" وجد في مقبرة توت أكثر من 5300 قطعة أثرية مذهلة.
أن قصة وفاة توت عنخ آمون والأحداث التي تلت ذلك مليئة بالتفاصيل الدرامية والتاريخية.
في غمضة عين، انطفأت شعلة حياة الملك الشاب توت عنخ آمون، وغمرت الحيرة قلوب الجميع.
كانت زوجته الشابة، عنخ إسن آمون، التي تكبره بأربع سنوات، من بين أكثر المتأثرين والمرتبكين.
وجدت نفسها أرملة في ريعان شبابها، في الثانية والعشرين من عمرها، وسط دوامة من المؤامرات التي كان يحيكها المستشار
" أى" للإحكام قبضته على مقاليد الحكم.
انتشر خبر الوفاة كالبرق في أرجاء مصر وعم الحزن الأسى.
لم يُسمع إلا صدى صرخات وعويل سيدات القصر، وكذلك حزن الرجال.
توقفت الأنشطة اليومية، واستعد الكهنة لإجراء مراسم التحنيط التي تستغرق سبعين يومًا.
كانت فترة صمت مطبق وحزن عميق حداد، حُجبت خلاله كل مظاهر البذخ والرفاهية.
ولأن وفاة الملك كانت صادمة وغير متوقعة، لم يكن قد أعد مقبرة له بعد.
فأُجبر فنانو طيبة على العمل بسرعة فائقة لإعداد مقبرة تليق بالملك الصغير في حياته الآخرة.
كذلك اضطر عمال القصر لإعداد المقتنيات الجنائزية من أثاث وملابس وغيرها من مقتنيات الملك التي سيرافقها إلى العالم الآخر.
وسارع عمال النسيج في إعداد لفائف الكتان الفاخر التي ستُستخدم في تغليف المومياء.
وفي خضم هذا التسارع والضغط اضطروا لدفن الملك في إحدى مقابر النبلاء بدلاً من مقبرة مُعدَّة خصِّيصًا له، نظرًا لضيق الوقت المُخصص لإعداد مثوى أخير يليق بمقامه.
في أعقاب وفاة توت عنخ آمون، وجدت عنخ إسن آمون نفسها وحيدة في مواجهة الأطماع السياسية.
في خطوة يائسة وغير مسبوقة، بعثت برسائل إلى الملك الحيثي
"سوبيلوليوما الأول" تطلب منه إرسال أحد أبنائه ليصبح زوجًا لها وملكًا على عرش مصر.
تفاجأ ملك الحيثيين بهذا الطلب الغريب وأرسل مبعوثًا للتحقق من صحته.
عاد المبعوث برسالة جديدة من الملكة تؤكد رغبتها (لم أكتب إلى بلد آخر بل كتبت إليك وحدك، لأنك ستصبح زوجي وملكًا على مصر).
على إثر ذلك، أرسل ملك الحيثيين أحد أولاده.
ولكن في تطور دراماتيكي، اغتيل الأمير الحيثي "زانانزا "في رحلته إلى مصر ولم يصل أبدًا.
يُشتبه في أن الاغتيال كان بتدبير من الوزير "خپرخپرو رع " " آى" الذي كان يخطط للاستيلاء على العرش.
في نهاية المطاف، تزوجت عنخ إسن آمون من المستشار المسن "آى"، الذي لم يكن من الأسرة المالكة، وأصبح ملكًا بزواجه منها.
حكم آى مصر لفترة قصيرة قبل أن يخلفه حور محب، القائد والوزير الآخر لتوت عنخ آمون.
إن قصة عنخ إسن آمون تُعد واحدة من أكثر القصص إثارة في التاريخ المصري القديم، وتُظهر التعقيدات السياسية والشخصية التي كانت تُحيط بالعائلة المالكة في تلك الفترة.