رحلة الروح : مفتاح الخلود في الحضارة المصرية القديمة
رحلة الروح
كتبت - دكتورة ميرنا القاضي
باحثه في علم المصريات والشرق الادني
في قلب الأرض الخصبة، حيث ينبض النيل بالحياة، ترقد أسرار الحضارة المصرية القديمة ككنز مدفون ينتظر من يكتشفه.
هذه الأرض، التي شهدت ميلاد العلوم والفنون، تحمل في طياتها قصصًا عن الروح التي لا تموت، عن القرين الذي يرافق الإنسان في حياته ومماته، وعن الإيمان بالخلود الذي يتجاوز حدود الزمان.
من خلال النقوش والتماثيل، نستشعر الروابط العميقة التي تجمع بين الإنسان والأبدية، ونتعلم كيف أن القدماء المصريين لم يروا الوجود كما نراه نحن
بل كانوا يعيشونه بأبعاده السبعة متجاوزين حدود الجسد المادي إلى عوالم الروح والنور.
فلنبحر سويًا في هذه الرحلة الروحية لنكتشف كيف كانت الروح المصرية تنظر إلى الحياة والموت، وكيف كانت تستعد للرحلة الأخيرة نحو الخلود، في أحضان الأزل وأسرار القدماء.
الكا (القرين) ليسا مجرد مفاهيم، بل هما جزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي والديني للمصريين القدماء،نجد صدى لأصوات الأجداد الذين ما زالوا يُحدثوننا عبر العصور، مُذكريننا بأن الحياة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وأن الروح هي الجسر الذي يصل بين الأرض والسماء، بين الإنسان والأبدية.
المصريون القدماء، بحكمتهم العميقة وإدراكهم الروحي، لم يروا الوجود كما نراه نحن. بل كانوا يعيشونه بأبعاده السبعة متجاوزين حدود الجسد المادي إلى عوالم "الظل" و"الاسم "و"القلب". كانوا يعتقدون بأن الكا، أو القرين، هو النسخة الأزلية للإنسان، يشاركه حياته ويستمر معه في ما بعد الموت، كشاهد على مسيرته وكمفتاح لأبواب الأبدية
و رأوا الانسان كائنا شديد التعقيد
و اختصر الكيان الانسانى أن الانسان يتكون من 7 عناصر ما يعرف بالروح في مفهومنا الحديث
وهم :
_ جسم مادي (غت) و يحافظون عليه بالتحنيط .
_ قلب مدرك (إيب) والايب: هو القلب على شكل الجعران و يذهب بعد الموت الى محكمة اوزوريس و يزن مع ريشة العدالة "ماعت"
_اسم معنوي (رن) كجزء من الروح كان يعطى رِن الشخص (أي اسمه) له عند الولادة و ينقشونه علي المقبرة حتى تتعرف الروح عليه .
_ ظل ملازم ( شوت ) وكان يدخل و يخرج مع (الكا)من و الى المقبرة .
_ روح خالدة تصعد إلي السماء ( با ) البا هو جانب من جوانب الشخصية التي اعتقد المصريون أنه يعيش بعد موت الجسم التي تخيلها المصريون في شكل طائر بجسم طائر و رأس إنسان و يمكن أن نسميها بالروح الإثيرية و أعتقدوا أن هذه الروح تطير إلي السماء بمجرد وفاة ال شخص لتتحد مع مجموعة النحوم الشمالية
و الروح يهذا الاتحاد في السماء تصبح
( أخ ) و هي تعني النورانية أو اللمعان
و هذا يرمز إلي رغبة المصريين في أن تظل الروح لامعه خالدة و قد تصور المصريون ( البا ) تتردد علي المقبرة من أن لآخر لتزور الجسد.
_ روح نورانية شفافة (أخ) وطبقًا لمعتقدات المصريين القدماء تشكل الآخ إلى جانب البا والكا اللتان تسكنان في جسم الإنسان أثناء حياته وتغادره بعد مماته فتنشأ الآخ بعدما يندمجان ويصعد في هيئة آخ إلى السماء.
**الكا** وهو القرين ،ذلك النفس الذي لا يفنى، والذي يُعتبر جوهر الإنسان وباقيه بعد الممات. يُصور الكا على هيئة صاحبه يُعتقد أنه يتعرف على المتوفي في العالم الآخر، ويُشكل الشاهد على حياته ومدخله إلى الخلود. خاصة في عصر الدولة القديمة .
لكن ما هو القرين؟
القرين في الثقافة المصرية القديمة يُعتبر مفهومًا فريدًا يجسد الروح الرفيقة للإنسان. يُشير القرين إلى النسخة الروحية أو الأثيرية للفرد، والتي تُولد معه وتظل ملازمة له طوال حياته وحتى بعد موته.
يُعتقد أن القرين يُشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الروحية للشخص، ويُمثل شريكه الأزلي الذي يُرافقه في رحلته إلى العالم الآخر.
في الفن والنقوش المصرية القديمة، كثيرًا ما يُصور القرين بجانب الإله أو الفرد كدليل على هذه الرفقة الأبدية.
ويُعتبر وجود تمثال القرين في المقبرة عنصرًا هامًا، حيث يُعتقد أنه يُساعد في توجيه الروح وحمايتها، ويُعد بمثابة شاهد على حياة الفرد ومرافق له في الحياة الآخرة. كما كان يُنظر إلى القرين على أنه حامي للأخلاق، حيث يُعتقد أن لعنة القرين قد تصيب من يسرق من ممتلكات المتوفي
مما يُظهر الاحترام العميق للمتوفين وممتلكاتهم في الثقافة المصرية القديمة.
القرين : حارس الأبدية في أروقة المتحف المصري
في قلب المتحف المصري، يقف تمثال الكا
القرين الأزلي، كشاهد على الإبداع الفني والفلسفة الروحية للمصريين القدماء.
هذا التمثال، الذي نُحت بمهارة من خشب الجميز الطواعي، يحمل في تفاصيله الدقيقة قصصًا من عمق التاريخ.
عيناه المرصعتان بالكوارتز والبللور، تنظران إلى الأبدية، وكأنهما تحرسان سر الحياة بعد الموت.