اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

لمحات من مسار نبي الله عيسى في مصر

 لمحات من مسار نبي الله عيسى في مصر





كتب د. عبد الرحيم ريحان


حافظت مصر على الديانة المسيحية بلجوء العائلة المقدسة إليها وكانت سببًا فى انتشارها فى أنحاء العالم بنشأة الرهبنة بمصر وانتقالها إلى العالم، كما كانت مصر أرض نزول التوراة على نبى الله موسى على جبل طور سيناء، كما أنقذت مصر العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية من غزو المغول الذين يقضون على الأخضر واليابس وكادوا يفتكوا بالدولة الإسلامية لولا تصدى مصر لهم.

احتضنت العائلة المقدسة ثلاث سنوات و11 شهر، بارك فيها نبى الله عيسى أرضها بمسار طوله 3500 كم ذهابًا وإيابًا وقد جاء السيد المسيح وعمره أقل من عام وعاد صبيًا، وفى مسار شهد العديد من المعجزات من رفح إلى الدير المحرق بقيت لنا آثار وآبار وأشجار ومغارات ونقوش صخرية، وتعمل الدولة بكل طاقاتها على إحياء المسار كطريق للحج يستهدف 2.3 مليار مسيحى فى العالم علاوة على عددًا كبيرًا من المسلمين، ولو حصلت مصر  على 2% فقط منهم سيدخل مصر 46 مليون حاج مسيحى سنويًا

شملت الرحلة خمسة مناطق رئيسية "منطقة غير محطة" شمال سيناء – الدلتا – وادى النطرون – منطقة حصن بابليون – صعيد مصر، وأن سبب اختيار مصر لأنها بلد الأمان استقبلت نبى الله يوسف وإخوته وعاشوا بمصر آمنين حتى نسل نبى الله موسى فهو  موسى بن عمرام بن قاهات بن لاوى بن يعقوب والذى تربى بمصر حتى خروجه منها، وكان من المفروض فى خط سير الرحلة الاتجاه إلى العاصمة مباشرة عند حصن بابليون بعد عبورهم سيناء والشرقية لكن خوفهم من وجود أتباع لهيرودس الفارين منه جعلهم يتجهوا إلى الدلتا ثم وادى النطرون ثم الاتجاه إلى العاصمة بعد الاطمئنان التام لحسن الاستقبال

محطات الرحلة

شملت محطات الرحلة بالترتيب مع ملاحظة أن هذه المحطات كانت لها مسميات قديمة، رفح، الشيخ زويد، العريش، الفلوسيات، القلس، الفرما، تل بسطة، مسطرد، بلبيس، منية سمنود، سمنود، سخا، بلقاس، وادي النطرون، المطرية وعين شمس، الزيتون، حارة زويلة ، مصر القديمة وحصن بابليون، المعادي، ميت رهينة، دير الجرنوس بمغاغة، البهنسا، جبل الطير بسمالوط، الأشمونين بالمنيا، ديروط، ملوي، كوم ماريا، تل العمارنة، القوصية، ميرة، الدير المحرّق وفى طريق العودة مرت العائلة المقدسة على جبل أسيوط الغربي "درنكة" إلى مصر القديمة ثم المطرية فالمحمة ومنها إلى سيناء.

معجزات السيد المسيح

وتعد من أشهر المعجزات المرتبطة بالرحلة فى "تل بسطة" حيث أنبع الطفل نبع ماء فأحمته السيدة العذراء وغسلت ملابسه وسمى هذا المكان "المحمة" أى مكان الاستحمام، وتسمى الآن مسطرد وعند مرور العائلة المقدسة فى بلبيس استظلوا بشجرة عرفت فيما بعد بــ "شجرة مريم" وحتى الآن يدفن المسلمون حولها أمواتهم تبركًا بها.

فى سمنود الماجور الحجرى حين رحب أهلها بقدوم العائلة المقدسة ويقال إنها أقامت فى المدينة ما بين ١٤ و١٧ يومًا وقد أهدى أهالى البلدة السيدة العذراء ماجورًا حجريًا لتعجن فيه، فى الوقت الذى أنبع السيد المسيح عين ماء فى المكان الذى أقاموا به ويوجد فى كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب بسمنود ماجور كبير من حجر الجرانيت يوضع فيه ماء مصلى عليه.

في سخا بكفر الشيخ معجزة ماء كعب يسوع حيث أوقفت السيدة العذراء مريم ابنها على قاعدة عمود فغاصت مشطا قدميه فى الحجر وانطبعت قدميه وقد تفجّر نبع ماء وسمى هذا المكان "كعب يسوع"، وأصبح الموقع بركة للناس حيث يأتون ويضعون فى مكان القدم زيتًا ويحملونه إلى بلادهم وينتفعون ببركة هذا الزيت فى الشفاء.

وحين عطش الطفل بوادى النطرون ولم تجد السيدة العذراء مصدرًا للماء سوى بحيرة شديدة الملوحة، فخاضت داخلها لأمتار وأخذت بعض الماء منها لتروي طفلها ليتحول الماء المالح إلى عذب، ويتفجر في نفس الوقت ينبوع مياه عذبة بارتفاع 1.5 متر عن سطح المياه العادية والتدفق لازال حتى اليوم وهى معجزة "نبع الحمراء" في التراث المسيحي وهذه المياه مباركة ولها معجزات سواءً المالحة منها أو النبع العذب، فهي تشفي أمراض الروماتويد والروماتيزم، وجميع أمراض الحساسية بأنواعها.

باركت العائلة المقدسة 17 موقع  بالقاهرة منها عين شمس التى أصبحت مقرًا لأسقفية قبطية، ومنطقة شجرة مريم في المطرية حيث أنبع السيد المسيح بئر ماء بجوارها ونبتت هناك نباتات عطرية مثل نبات البلسان وهناك شارع بالمطرية يسمى شارع البلسم وشارع يسمى بئر مريم وانقطع شجر البلسان فى القرن السابع عشر بسبب فيضان النيل وقد زارت إمبراطورة فرنسا أوجينى شجرة مريم عام 1869

مغارة أبى سرجة

مغارة أبى سرجة هى مغارة شهيرة قرب حصن بابليون " كنيسة أبى سرجة حاليًا" وهى المغارة التي مكثت بها العائلة المقدسة ويميز هذه الكنيسة أيضًا وجود بئر ماء قديمة شرب منها السيد المسيح عليها باب زجاجي يمكن للزوار النظر من خلاله إلى البئر، وعلى شاطئ نهر النيل بمنطقة المعادى فى القاهرة تقع كنيسة السيدة مريم العدوية بداخلها سلالم أثرية ترجع إلى القرون الميلادية الأولى كانت تستخدم قديمًا أثناء فيضان النيل وفى 12 مارس 1976 ميلادية رأى شعب الكنيسة كتابًا مقدسًا ضخمًا يطفو على سطح المياه وهو مفتوح على سفر أشعياء الإصحاح 19 "مبارك شعبى مصر" ويوجد هذا الكتاب المقدس داخل الكنيسة.

وفي مغارة بجبل الطير بسمالوط، مكثت العائلة المقدسة وفى هذا المكان المبارك أنشأت القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين كنيسة منحوتة في الصخر عام 328 م عرفت بكنيسة الكف لمعجزة السيد المسيح حين منع سقوط صخرة عليهم عندما سند الصخرة الكبيرة بكفه الصغير فانطبع كفه على الصخرة، وصار الجبل يعرف باسم "جبل الكف "، ويضم دير المحرّق بأسيوط البيت التى عاشت فيه العائلة المقدسة فى نهاية الرحلة وبقى على مساحته ثم تحول فى العصر المسيحى المبكر إلى كنيسة ويوجد بها الحجر الذى جلس عليه السيد المسيح طبقًا للتقليد

احتفالية العائلة المقدسة

نجحت مصر في تسجيل ملف الاحتفالات المتعلقة برحلة "العائلة المقدسة" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة اليونسكو حيث ارتبط المسار باحتفالات وأعياد وترنيمات رائعة وموالد فى المواقع التى باركتها العائلة المقدسة يشهدها المسيحيون والمسلمون فى كل الكنائس وخاصة فى كوم ماريا بدير أبو حنس المعادى وسخا وسمنود ودير القديسة دميانة وحارة زويلة وجبل الطير ودير الجرنوس ومسطرد وتستمر الاحتفالات سبعة أيام من بداية يونيو بالكنيسة الكاثوليكية بالمطرية و15 يوم بكنيسة العذراء بمسطرد تنتهى بتذكار تكريسها، ومن 19 إلى 28 يونيو احتفالًا كبيرًا بكنيستها بحارة زويلة، ومن 7 إلى 22 أغسطس صوم العذراء مريم وإقامة احتفالات بكنائس العذراء مريم بكل أرض مصر التى باركتها العائلة المقدسة، ومن 12 إلى 20 مايو احتفالات دير العذراء بجبل الطير.

وهناك تراث كنسى مرتبط بالرحلة ومنها قداس القديسة مريم المنسوب للأنبا قرياقوس أسقف البهنسا بمحافظة المنيا وقد ورد فى هذا القداس ” أيتها العذراء ذكرى من يتذكر دون أن ينسى أحد، أيتها العذراء ذكريه (السيد المسيح) بميلاده الذى تم منك فى بيت لحم، أيتها العذراء ذكريه بهربه معك عندما هربت من مملكة إلى مملكة فى أيام هيرودس الملعون، أيتها العذراء ذكريه بالدموع السخينة التى انسكبت من عينيك وسقطت على وجه إبنك الحبيب، أيتها العذراء ذكريه بالجوع والعطش والفقر والحزن وكل الضيقات التى كابددتها معه، ذكريه بالرحمة لا بالهلاك، ذكريه بالشفقة لا بالغضب” .



google-playkhamsatmostaqltradent