اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

الهوس بمصر القديمة " إشعال شغف العالم Egyptomania "

 الهوس بمصر القديمة " إشعال شغف العالم Egyptomania "





  Egyptomania

بحث بقلم : دكتورة ميرنا القاضي

باحثه في علم المصريات والشرق الأدنى 


تتلألأ الأهرامات الضخمة في الصحراء وتتراقص الرموز الهيروغليفية على جدران المعابد القديمة. تنبض مصر القديمة بالحياة مجددًا في  القرن التاسع عشر،

 حيث يعم الهوس بمصر 

أو "Egyptomania" 

قلوب العشاق للثقافة والتاريخ ،إنها ظاهرة تجتاح العالم، تستحوذ على العقول وتشعل الشغف لاستكشاف أسرار حضارة تاريخية ليس لها مثيل.



 ولكن هل تعلم ما هو الهوس بمصر؟ Egyptomania

كلنا نعرف علم المصريات، وهو علم متخصص في دراسة كل ما يتعلق بالحضارة والتاريخ المصري، وهو موجود في جميع جامعات العالم تقريبًا ، لكن هل تعلم أن هناك علمًا آخر يتعلق بحضارتنا وتاريخنا يُكتب عنه ويُدرس بشكل مكثف

خاصة في الغرب؟

 إنه الهوس بمصر ، الظاهرة المعروفة باسم "Egyptomania" والتي تتجلى في الحماس والاهتمام الشديد لدى الناس بكل ما يتعلق بمصر القديمة.



في هذا المقال سنستكشف عالم Egyptomania 

ونعرض الأسباب والأحداث التي أدت إلى انتشار هذا الهوس، سنتتبع أصولها إلى القرن التاسع عشر ، عندما عادت مصر إلى الواجهة بعدما أثارت الاهتمام العالمي خلال حملة نابليون على البلاد. 





كيف بدأ الهوس بمصر في القرن التاسع عشر؟

 وكلمه Egyptomania ماذا تعنى ؟

 

في قلب القرن التاسع عشر، شهد العالم تجددًا مدهشًا للاهتمام بثقافة وتاريخ مصر القديمة ، كانت هذه الظاهرة معروفة باسم "الهوس بمصر" أو Egyptomania والتي تعبّر عن غمر الأوروبيين بحماس شديد وشغف لكل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة.



تأتي مصطلحات "إيجيبتو" و"مانيا" من اللغة اليونانية، حيث يشير "إيجيبتو" إلى مصر، في حين يعني "مانيا" الهوس والحماس وبالتالي "إيجيبتومانيا" يعكس هذا الشغف العارم والتسلسلي لكل ما يتعلق بمصر القديمة.



الحملة الفرنسية على مصر :

 الأثر الذي تركها

بدأت هذه الظاهرة تتطور بشكل كبير خلال حملة نابليون على مصر في العام 1798. وقد كلَّف نابليون أكثر من مائة عالم لتوثيق ثروة هذا البلد القديم وتاريخه العريق. تم جلب العديد من القطع الأثرية والتحف الفريدة إلى أوروبا، مما أثار إعجاب الجماهير وأشعل شغفهم لاستكشاف وفهم الثقافة المصرية القديمة.



ومن بين النتائج الهامة لهذه الحملة الفرنسية، تأتي كتاب "وصف مصر" (بالفرنسية: Description de l'Egypte) الذي يعدُّ تجميعًا شاملًا للملاحظات والأبحاث التي أجريت في مصر خلال تلك الحملة.





 كما قدم حجر رشيد - الشاهدة التي تحمل نقوشًا يونانية وهيروغليفية قديمة مفتاحًا لفهم الكتابات الهيروغليفية في عام 1822، والتي أثبتت أن الهيروغليفية هي لغة وليست مجرد رموز صوفية.



بوجود هذه الاكتشافات والتوثيقات الهامة، بدأ عصر علم المصريات العلمي تأسست متاحف ومؤسسات علمية متخصصة لدراسة حضارة مصر القديمة وانتشرت الكتب والمقالات التي تناولت مختلف جوانب الحياة والفن والعلوم في مصر القديمة.



هذه الأحداث ، جنبًا إلى جنب مع ازدياد شعبية السفر إلى مصر التي روجت لها رحلات بعض الأفراد المغامرين مثل جوفاني باتيستا بلزوني وجلبهم مقتنيات لمجموعات المتاحف الجديدة، كان لها تأثيرها، وكذلك ما كشفه فنانون مثل ديفيد روبرتس والمصورون الأوائل عن مصر للعالم. كما عززت المعارض الدولية، التي بدأت بمعرض كريستال بالاس بلندن (1854) انتشار الفضول بالحضارة المصرية في أواسط الأوروبيين، بزغ تأثير مصر القديمة على الخيال الثقافي للشعوب الأوروبية في موجات مما يسميه علماء التاريخ 

"الهوس المصري – Egyptomania"

هذا الهوس كان جليًّا في عدة مجالات أبرزها: حفلات فك أغلفة المومياء، الأدب مثل قصة "القطعة رقم 249" لأرثر كونان دويل.



وعندما اكتشف هوارد كارتر واللورد كارنارفون مقبرة الملك توت عنخ آمون في عام 1922، عصفت مصر القديمة بالعالم مرة أخرى.





لم يكن الاكتشاف نفسه هو الذي أشعل فضول الجمهور فحسب، بل أيضًا قصة لعنة المومياء التي من المفترض أنها قتلت اللورد كارنارفون في عام 1923.



"في العصور القديمة Egyptomania" 

أن الهوس بالحضارة المصرية القديمة ليس وليد اليوم، بل كان الإغريق والرومان مفتونين بمصر القديمة، كما يتضح من نصوص مثل تاريخ هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد ومكتبة

 «هيستوريكا لديودوروس سيكولوس»

 في أوائل القرن الأول قبل الميلاد.



وبعد أن غزا الإمبراطور أوغسطس مصر في 31 قبل الميلاد وصل هوس egyptomania

 إلى روما وأتضح ذلك في إقامة المسؤول الرفيع «كايوس كيستيوس» مقبرة على شكل هرم في الفترة 18-12 قبل الميلاد.



أما الإمبراطور هادريان، الذي زار مصر بنفسه في عام 130 بعد الميلاد، جعل عشيقه المتوفى أنتينوس يُبجل باسم أوزوريس، إله مصر للعالم السفلي.



مصر القديمة: 

الحضارة التي لا تزال تثير الإعجاب



سبب انتشار مصطلح الهوس بمصر أو Egyptomania أن المصطلح أخذ في الأنتشار نتيجة أن قليل من الناس يستطيعون السفر إلى مصر بأنفسهم، لذلك كان الاتصال الوحيد الذي أجروه مع مصر كان من خلال الأدب والفن والعمارة.



 أن الحكايات الشعبية حول مصر القديمة وما فيها من البعث و الخلود والحب الأبدي، نمى رغبات الغربيين الداخلية تجاه هذه الحضارة، والتي انعكست في تعلقهم بالمسلات وأبو الهول والأهرامات وبقايا الآثار الأخرى.






يصف «جورج إيبرس» هذا الهوس في كتابه مصر : 

وصف وتاريخ وفتنة Egypt : Descriptive, Historical, and Picturesque ، الذي نُشر عام 1878: «لقد سمع كل شخص، النبلاء والفلاحون عن مصر وعجائبها البدائية، فالطفل يعرف أسماء الفراعنة الطيبين والأشرار قبل أن يتعلم أسماء أمراء بلده». 



احتار إيبرس في كيفية تفسير هذه الظاهرة، واكتفى بتوجيه السؤال للقارئ: لماذا أثرت حضارة مصر القديمة وتاريخها وخصائصها الطبيعية وآثارها بطريقة مختلفة تمامًا عن أي من الحضارات القديمة التي اكتُشفت آنذاك؟ ولماذا أثارت فضول العامة وهوسهم؟



في الواقع ، كان الانجليزي مهووسين بمصر بشكل فريد، وربما يرجع ذلك جزئيًّا إلى وجود اعتقاد سائد بأن مصر كانت مثل بريطانيا في العالم القديم – حضارة متفوقة ومتقدمة للغاية تغزو كل الأرض التي في متناولها. 



كما يصفها دليل مطبوع لمعرض عام 1985 لفن مصر القديمة في نادي بيرلينجتون للفنون الجميلة البريطاني «كانت مصر حضارة مؤسِّسة. كانت جميع الحضارات الشرقية الأخرى، تقليدًا شاحبًا للثقافة المصرية النابضة بالحياة. كانت مصر هي المانح، وليس المتلقي» أن «تأثير الفن المصري على الحضارات العظيمة الأخرى في العصور القديمة يمكن تتبعه في جميع الاتجاهات».



"أمثلة على الهوس بالحضارة المصرية القديمة"

المومياء تخرج من التابوت ،كل الحضارات قد مضت وابتلعت الأرض جثثهم ولم يتبقَّ إلا آثار تدل على أنهم عاشوا، ولكن وجود جثامين لأشخاص لا زالت محفوظة بعد آلاف السنين، كان نقطة مثيرة لدهشة الأوروبيين.



 منذ العصور الوسطى ساد الاعتقاد بأن للمومياوات قدرة سحرية أو طبية، قادرة على شفاء كل الأمراض حتى الطاعون، في عالم خالٍ من المضادات الحيوية وصف الأطباء الجماجم والعظام ولحم الجثث المطحون لعلاج الأمراض من الصداع إلى تقليل التورم أو علاج الطاعون دفع الإيمان بأن المومياوات يمكن أن تشفي المرض  الناسَ لعدة قرون إلى تناول مسحوق مومياء، المنتج الذي تم إنشاؤه من جثث محنطة، كان مادة طبية استهلكها الأثرياء لقرون، ومتوفرة في الصيدليات، وأُنشئت من بقايا المومياوات القليلة التي أُحضرت من المقابر المصرية إلى أوروبا بصعوبة. 



بحلول القرن التاسع عشر لم يعد الناس يستهلكون المومياوات لعلاج الأمراض، لكن البريطانيين كانوا يستضيفون 

"حفلات فك غلاف المومياء"

 حيث يتم فك الجثث المصرية للترفيه في الحفلات الخاصة. 



حفلات فك تغليف المومياء كان شكلًا مؤقتًا من أشكال الترفيه للبريطانيين وكان جزءًا من تدنيس الاستعمار لمصر وشعبها وأسلافهم. أي شخص استطاع تحمل تكاليف السفر إلى مصر كان قادرًا على شراء مومياء، وكان هناك أشخاص مدربون لفكها في عرض استعراضي يقدمه عادة الأطباء الساعون للثراء، أو الفنانون ذوي الخبرة في التشريح.



توماس بيتيجرو، الذي كان جراحًا ومؤلفًا كان يستضيف حفلات خاصة حيث يقوم بفك الغلاف وإجراء تشريح للجثث على المومياوات، بدمج العلم مع المشهد التاريخي، كان الأثرياء يحظون بسهرة ماتعة. لم تكن العملية معقدة للغاية:

في البداية يقدم محاضرة عن التاريخ المصري القديم حسب ما وثقه علماء نابليون، ثم يقوم المحاضر ومساعدوه بإزالة المنسوجات والمواد الأخرى التي كانت تغطي المومياء بشكل تدريجي. كانت شظايا الأغلفة تفوح برائحة الراتنجات والتوابل العطرية المختلفة كالمُر والقرفة غالبًا ما كانت تُمرر على الجمهور جنبًا إلى جنب مع التمائم وغيرها من المصنوعات اليدوية التي تصادف وجودها داخل غلاف المومياء. 



 وايضا خلال نفس القرن إنتقل هذا الهوس من أوروبا للولايات المتحدة حيث أن الأسلوب المصرى أسر خيال أرباب الثقافة الأمريكية، الذين سعوا للإيجاد رموز ثقافية بديلة لتلك التي ورثوها عن الإنجليز، فسموا نهر المسيسي بالنيل الأمريكي، وسموا مدن جديدة على طول ضفافه، بأسماء  مصريه مثل ممفيس والقاهرة والكرنك وطيبة.



فهناك ثماني عشرة مدينة في العالم تحمل اسم القاهرة، أي يصبح عددها  19 عشرة مدينة مع مدينة القاهرة المصرية، فهناك 13 مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية

ومدينتين في كندا، ومدينتين في إيطاليا

ومدينة في فرنسا.



ووصل عدد المدن التي تحمل اسم الاسكندرية في العالم إلى 50 مدينة الإسكندرية، التي سميت على اسم الإسكندر الأكبر، لها أهميتها التاريخية وسكانها حيث كانت موقع منارة فاروس وإحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، ومكتبة الإسكندرية الأسطورية وكانت ذات يوم المركز الثقافي الأكثر حيوية في العالم القديم، وتنافس حتى أثينا باليونان.



يوجد الكثير من المدن التي  تحمل اسم المدن المصرية الإسكندرية في دول مختلفة بناها الإسكندر الأكبر لتصبح تذكارًا له وتكريمًا بعد وفاته، لم ينج الكثير منهم وعلى مدار التاريخ  تم بناء العديد من المدن الأخرى بهذا الاسم، وفي الولايات المتحدة هناك العديد من المدن التي تحمل اسم “الإسكندرية”، وايضاً في كندا والبرازيل واليونان ورومانيا وتركيا وإيطاليا، بالإضافة إلى في روسيا وأفغانستان وباكستان ودول الخليج العربي مثل الإسكندرية والعراق .





وايضا المدن المستوحاة من المدن المصرية في أستراليا: توجد مدن في أستراليا تحمل أسماء مدن مصرية مثل "مصر الأسترالية" ومدينه العريش الساحلية "و"مدينه العلمين".



بهذه الطريقة، أصبح الهوس بمصر حركة ثقافية وعلمية تجاوزت الحدود الجغرافية

حيث يمكننا اليوم العثور على دراسات وأبحاث ومعارض متعلقة بالمصريات في معظم جامعات العالم ومراكز الثقافة والمتاحف العالمية. إن الهوس بمصر

 أو Egyptomania لا يزال حاضرًا حتى يومنا هذا، حيث يستمر الناس في استكشاف ودراسة تاريخ هذه الحضارة العريقة وتأثيرها على العالم المعاصر.



كيف يمكن لـ Egyptomania أن تؤثر على الثقافة الحديثة؟


أن الهوس بمصر ليس مقتصرًا على المتاحف والتحف الأثرية فحسب ، يمكننا ايضا رؤية تأثيرها في العمارة الحديثة والتصميم الداخلي، حيث يتم استخدام الزخارف المصرية والألوان الفاتحة لإعادة إحياء أجواء الماضي العريق، يظهر الهوس بمصر أيضًا في أعمال الفن والأفلام، حيث يتم استخدام الأساطير والتراث المصري كمصدر إلهام للقصص والشخصيات، مثل سلسلة أفلام "المومياء" ولعبة الفيديو "أساسنز كريد ، أوديسي".


وفي الختام ، يُظهر الهوس العالمي بمصر القديمة قوة الفن والتاريخ في تجمع أشخاص من مختلف الثقافات والخلفيات لاستكشاف ودراسة وتقدير حضارة لا تزال محط إعجاب العالم. إنها رحلة لا تنتهي لاكتشاف الماضي وفهم تأثيره على الحاضر والمستقبل. فلنستعد لرحلة مشوقة تأخذنا عبر الزمن إلى أرض المصريين القدماء والملوك والآلهة، إلى عالم مصر القديمة الذي لا يزال يترك بصمته العميقة على العالم الحديث.

google-playkhamsatmostaqltradent