في عيد الآثاريين: الآثار في القرآن الكريم
كتب د. عبد الرحيم ريحان
الآثار بكل تفاصيلها من مباني قائمة وتحف منقولة ذكرت في القرآن الكريم بل ودعى القرآن الكريم إلى زيارتها فى الآية "قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ" آل عمران 137.
وفي الآية دلالة على أهميِّة علم التَّاريخ والآثار لأنّ فيه فائدة السير في الأرض، وهي معرفة أخبار الأوائل، وأسباب صلاح الأمم وفسادها، وذكرت البروج المشيدة وهى الحصون والقلاع والأربطة والأبراج الدفاعية وكل المنشئات الحربية "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ" النساء آية 78.
كما وردت "فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ" الحج آية 45، هنا إشارة إلى أن هلاك القُرَى لابد أن يكون له سبب، فلما وقع عليها الهلاك أصبحت خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا والشيء الخاوي يعني الذي سقط وتهدَّم على غيره، والبئرهو الفجوة العميقة في الأرض، بحيث تصل إلى مستوى الماء الجوفيّ، والبئر حين تكون عاملة ومُسْتفادًا منها تلحظ حولها مظاهر حياة حيث ينتشر الناس وينمو النبات ويحوم حولها الطير، أمّا البئر المعطّلة غير المستعملة فتجدها خَرِبة ليس بها علامات حياة، وهذا يعنى أن الآثار بهذا الموقع من وجود بئر معطلة دلت على وجود أقوام كانت تستخدم هذا البئر وبالطبع كانت هناك حياة من منازل وقصور مشيدة وخلافه، كلمة {مَّشِيدٍ} من الشيد، وهو الجير الذي يستعمل كَمُونَةٍ في بناء الحجر يعني: مادة للصق الحجارة
تحدّث القرآن عن القرابين المعروفة منذ آدم وفى الحضارة المصرية القديمة وغيرها من الحضارات "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" المائدة آية 27، كما ذكر تداول الحضارات ما بين ضعف لحضارة وقوة لأخرى "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" آل عمران 140.
وكذلك إشارات إلى الحضارات القديمة ومنها قوم صالح وشكل مساكنهم "وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا" الأعراف آية 74، وهى المساكن التى اعيد استخدامها فى شمال الجزيرة العربية لقوم آخرين وهم الأنباط، والحضارة المصرية القديمة "وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد " الفجر آية 10، وهى على الأرجح الأهرامات التى تشبه الأوتاد الثابتة فى الأرض المتينة البنيان كما جاءت التحف المنقولة يوسف آية 72 التى تكتشف فى الآثار وتعرض فى المتاحف "قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ". يوسف آية 72.، وهو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام
ذكرت المحاريب والمقصود بها أماكن العبادة وقد استخدمها الأنبياء "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا" آل عمران آية 37، كما ذكرت البشارة بنبى الله عيسى عليه السلام والمصورة فى الأيقونات المسيحية "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ" آل عمران آية 45
وذكرت المائدة المقدسة المصورة فى لوحة العشاء الأخير "قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" المائدة آية 114، وقد صوّر المائدة دافنشى فى لوحة "العشاء الأخير" التى تصور أكبر حدث تاريخي للمسيحية، لأنها تصور غرفة طعام في دير سانتا ماريا في روما، كما تصور المسيح جالسًا مع حواريه الـ 12، وتتحدث عن اللحظات الأخيرة، بعد أن أخبرهم أن أحدهم سيخونه قبل شروق الشمس.
وذكرت الآثار الإسلامية بالقرآن "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " البقرة آية 127، وجبلى الصفا والمروة "إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ" البقرة 158، والصفا والمروة جبلان بمكة يقعان على طرفي المسعى، والمسجد ذو القبلتين "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ"البقرة آية 144
والأربطة آ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" آل عمران آية 200، والرباط، أسس في أول الأمر كمنشأة عسكرية، وأخذ اسمه من المرابطة في سبيل الله، ومن المرجح أن نظام الخانقاوات الذي ظهر بعد ذلك أُخذ عن الرباط، حيث إنه في الرباط كان المرابطون يؤهلون دينيًا وروحيًا بجانب تدريبهم عسكريًا للجهاد والدفاع عن حدود الدولة الإسلامية، وكان الرباط يقام على الحدود وقد ظهر الرباط قبل الخانقاه.