اقرأ التفاصيل
recent
أخبار عاجلة

سيكولوچية الشائعات السلاح الفتاك في ساحة الخداع النفسي

 سيكولوچية الشائعات السلاح الفتاك في ساحة الخداع النفسي 













 بقلم / إسراء السعيد

   الأخصائي النفسي الأكلينكي

    

   بسم الله الرحمن الرحيم  


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"

      

تُعد الشائعات مشكلة مهمة وكبيرة لما لها من قوة تدميرية عالية في المجتمع، وهي ليست وليدة العصر الحديث وإنما انتشرت منذ العصور القديمة، ومع مرور الوقت تغيرت وسيلة انتشار الشائعات لكنها لم تنتهِ. وتُعرّف الشائعة بأنها عبارة لا يمكن تأكيد صحتها، وهي مجموعة فرعية من الدعاية التي لا أساس لها ومع ذلك فإنها تمتلك من القوة ما يمكنها من إلحاق الخراب بالفرد أو الأسرة أو المجتمع في أي بلد وفي أي وقت؛ فتُستخدم غالبًا للإشارة إلى “معلومات غير صحيحة وملفقة” و”معلومات غير متسقة تتجه إلى التحريف المتعمد”؛ لذلك أجرى علماء النفس والاجتماع الكثير من الأبحاث حول الشائعات.

وينتشر الكثير من الشائعات اعتمادًا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يمكن أن تظهر كأحد أسباب القلق في المجتمع وتسبب الإحباط لدى أفراد المجتمع، فنجد أن الشائعات-


تجد بيئتها الخصبة وتنتشر بسهولة وعلى نطاق واسع أثناء الحرب أو الشغب أو الانتخابات، حيث تكون المواقف في مثل هذه الأوقات دائمًا غير مستقرة ومتفجرة، ويكون الناس مستعدين لتصديق أي شيء تقريبًا. 

وفي مثل هذه الفترات غير العادية، لا يتم التشكيك في صحة أي تقرير أو معلومات، ويقبلها الجميع تقريبًا؛ حيث يسود العقل الجماعي على العقول والأحكام الفردية، ويصدق الناس الكثير من الشائعات ويتقبلونها على أنها صحيحة، حتى عندما يعلمون أنها غير موثوقة، لذا تُحدث الشائعات مشكلة اجتماعية، فبمجرد أن تبدأ الشائعات، فإنها تترك انطباعًا في عقول الأفراد بسهولة. 

وقد تغيرت وسيلة انتشار الشائعات عبر العصور؛ ففي أوقات سابقة اعتاد الناس على نشر الشائعات شفهيًا، أما الآن فتنتشر الشائعات عبر القنوات الإلكترونية المختلفة. بجانب أن الوسيلة الأكثر شيوعًا لنشر الشائعات الآن هي وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد أصبحت مشاركة الشائعات أسرع وأكثر انتشارًا، ويمكن لأي شخص لديه تلك الوسائل الوصول إلى مشاركة الشائعات في أي وقت ومن أي مكان.


                الأبعاد النفسية لصنع الشائعات و إنتشارها


أظهرت الدراسات النفسية سلوكيات صنع الشائعات ونشر الشائعات بأنها عمليات ربط متبادلة مع المشاعر الداخلية التي تحركها المشاعر الفردية مثل القلق والرغبة والخوف، فالتحليل النفسي لانتشار الشائعات يشمل عدة جوانب منها: الخوف من المجهول، والتحيز المعرفي الذي يقويه العقل الباطن الجماعي؛ الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق سلبي للطاقة ناتج من عدم التوازن النفسي، بالإضافة إلى القصور الذاتي في السعي وراء التسلية مما يقوي سيكولوجية الفضول. 

وعندما يعتقد الناس أن الشائعة تتفق مع قيمهم، فإنهم يقوون أفكارهم ويصبحون مستعدين للاعتقاد بأن الشائعة صحيحة، فهذا يعزز صورتهم الذاتية وتقديرهم لذاتهم. وقد أقر علم النفس الاجتماعي عددًا من الأسباب وراء الشائعات عبر الإنترنت وهي: انعدام الأمن، وانعدام الثقة، والتراكم والذاكرة الجماعية، واستغلال العديد من ناشري الشائعات لعدم الكشف عن هويتهم، مما يجعلهم يفقدون إحساسهم بالمسؤولية الاجتماعية وضبط النفس. 

هذا إلى جانب عدد من الأسباب النفسية للشائعات، والتي وصفها “جوردون أولبورت وليو بوستمان- Gordon Allport & Leo Postman

في كتابهما "علم نفس الشائعات" أنها:-

 حالة غير مؤكدة: عندما يكون الوضع غير مؤكد، ينشر الناس الشائعات وتزيد فرص انتشار الشائعات. 


• القلق: عندما يكون الناس في حالة من القلق، فإنهم ينشرون الشائعات أو يتقبلونها؛ وقد أظهر العديد من الدراسات أن القلق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدم اليقين، وأن الأشخاص الأكثر قلقًا هم أكثر عرضة لنشر الشائعات. وأظهرت الأبحاث أيضًا أن الشائعات عن الأحدث السيئة تنتشر بشكل أسرع من شائعات الأحداث الجيدة.


• أهمية المعلومات: فعندما يعلم مروجو الشائعات أن الناس يريدون معرفة معلومات عن موضوع مهم بالنسبة لهم، ينشرونها. ويعتقد علماء النفس أن أولئك الذين ينشرون الشائعات هم أكثر عرضة لتصديقها.


• الغموض: فيستمع الناس إلى الشائعات عندما لا تكون لديهم فكرة واضحة عن أي موضوع أو معلومة.


• حماية الصورة الذاتية للفرد: فيؤمن الناس بالمعلومات التي تتوافق مع صورتهم ويتقبلون هذه الشائعة على أنها صحيحة.


• الشعور بالرضا: أظهر العديد من الدراسات أن الناس يريدون أن يشعروا بالرضا عن أنفسهم، فينشروا الشائعات من هذا المنطلق.


• هزيمة الخصم: فقد تنتشر الشائعات أيضًا لإذلال الآخرين وتشويه مكانتهم.


• المكانة الاجتماعية القوية: فقد يلجأ الكثير من الناس إلى الشائعات لتقوية مكانتهم الاجتماعية.


                ومما سبق نوصي كمختصين نفسيين:


 بأن أفضل طريقة لتحقيق منع الشائعات هي الحد من عدم اليقين الذي يؤدي إلى الشائعات من خلال تنمية الثقة في المصادر الرسمية للمعلومات. وللحد من عدم اليقين، ينبغي على الحكومات أو الأشخاص حتى عندما لا يمكن تأكيد أو عدم تأكيد الشائعات في بداية ظهورها أن يتم تحديد جدول زمني لموعد تقديم المزيد من المعلومات، مع ذكر القيم والإجراءات التي ستتم بشفافية، وبيان ما هو معروف على وجه التحديد. ومع ذلك، قد يتطلب الأمر الرد الفوري -للشائعات الكاذبة– بالإضافة إلى اختيار مصدر يُنظر إليه على أنه مناسب وصادق في الرد على الشائعة، الأمر الذي يقلل القلق، ويكون أكثر فاعلية في الحد من آثار الشائعات الضارة.


 وكما أنه من السهل نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سيكون من المهم أن تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في منع انتشار الشائعات وزيادة الوعي، عن طريق تطوير إعلام مستقل وبناء ثقة الناس في وسائل الإعلام لمنع انتشار الشائعات. ومن الضروري تصنيف شائعات الإنترنت وإجراء بحث معمق وفقًا لمحتوياتها وخصائصها، مع فهم العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الناس إلى الاستماع إلى الشائعات وتمريرها وتصديقها.

وفي هذا السياق، عملت بعض الدول على إتاحة التطبيقات للتعرف على الشائعات أو الأخبار المزيفة؛ واتخذت بعض الخطوات التقنية مثل حظر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وواتس آب وماسنجر ويوتيوب ورسائل البريد الإلكتروني التي يتم مشاركة أي أخبار مزيفة منها بشكل متكرر، ويمكن العمل على هذا بحيث عندما يحاول شخص ما مشاركة شائعة مع شخص آخر يتم حظرها تلقائيًا؛ ففي بنجلاديش، اتخذت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالفعل خطوات مماثلة لمنع انتشار الشائعات.

علاوة على ذلك، يُمكن للمنظمات الحكومية وغير الحكومية تعزيز برامج التوعية لتحسين قدرة الجمهور على تحديد الشائعات وعدم تصديقها وترويجها والتعاون بوعي مع الحكومة والمؤسسات الأخرى لخلق بيئة آراء عامة جيدة للمجتمع. فضلًا عن إصدار التشريعات التي تعاقب أولئك الذين ينشرون الشائعات، مع ضرورة الانتباه لأهمية التعرف على الشائعة في الساعات الأولى من إطلاقها لمنع عواقبها الضارة، ونشر المعلومات الصحيحة والموثوقة على المنصات الإلكترونية المعنية في الوقت المناسب. ويتعين على الحكومة فتح منصات للشكاوى والإبلاغ عن المعلومات، وإنشاء نظام إشراف وشكاوى كامل وسليم، ولعب دور الإشراف الاجتماعي بشكل كامل، وكشف انتشار الشائعات في الوقت المناسب.


google-playkhamsatmostaqltradent