كنان
قصة قصيرة
بقلم : د . أمنية مصطفى
لقد كان قراري وإختياري مجال دراستي وتخصصي
وكذلك تطوعي بالعمل هنا بهذه الدار منذ أن تخرجت من الجامعة لأني ذقت مرارة حياة اليتيم ومعاناته النفسية وكانت حكايتي مع كنان هى بداية قصتي هنا في دار الأيتام .
كنان الذي لامس قلبي فور رؤيته وعاهدت نفسي على إحتضانه بعد أن عرفت قصتة عاش كنان في كنف والديه لمدة ١٠سنوات وكان معتاد على رؤية كل مظاهر العنف الأسري بين والده و والدته وعاش مابين أم عنيدة وأب متسلط وعنيف وكان ينعكس عليه ذلك العنف وينال نصيبه منه إلى أن استيقظ ذات يوم على ذلك المشهد الذي لم ينساه حتى الآن .
فيحكي لنا أنه استيقظ ذات يوم على اصوات عاليه لأشخاص لم يعرفهم وصراخ لنساء وأصوات سيارات البوليس والإسعاف فنهض وفتح باب غرفته لينادي أمه ، فوجد العديد من الأشخاص اللذين يملأون أرجاء البيت فتعجب من هذا الزحام الشديد وأخذ يرفع صوته وينادي أمه وأبيه ويتسلل بين هؤلاء الأشخاص ليبحث عنهم وأخذ يتملكة الخوف والفزع وهو يصرخ
وينادي أمه ويتسأل من أنتم أين أمي أبي من أنتم
إلي أن وقعت عيناه علي ذلك المشهد الذي لم تمحو السنوات صورته من ذاكرته وهو رؤيته لأمه والدماء التي تغطيها والتي تحيط بها من كل جانب ، أمه ذُبحت و القاتل أبيه وعندما رفع عينيه وجد أبيه مقيد بأساور حديدية ويمسكه إثنان من رجال الشرطة .
ويأمر الضابط رجال الإسعاف بحمل الجثة الي سيارة الإسعاف .
فجلس جانب الحائط مستندا عليه وممسكا ركبتية صامتا لم يصرخ ولم يبكي أو حتى تسقط منه دمعة وظل ينظر حوله بذهول وصمت تام وكل من حوله يصرخون ويتحدثون مابين وصف بشاعة جريمة القتل وما بين بشاعه وعنف أبيه الذي يلقبونه بالمجرم ومابين ذكر لاحول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون وغيرها وغيرها من الأحاديث المتناثرة
في وسط هذا الزحام.
وبينما كانت كل هذه الأحداث تدور من حوله لم يهتم أحد لأمره أو حتى إحتضانه وظل جالسا لساعات طويلة حتى أنهت الشرطة المعاينة والتحقيقات مع الجيران والحاضرين إلي أن جاء دور كنان للسؤال
فلم يستطيع الرد أو النطق أو التحدث ولم يتحرك من مكانة ولاحظ عليه الضباط علامات إضطراب مابعد الصدمة وأمروا بنقلة على الفور لدار رعاية ليتلقى العلاج المناسب ولكن للأسف كانت حالة كنان رغم إنقضاء الشهور تسوء وتبدو عليه علامات الإكتئاب وفي إزدياد يوما بعد يوم بالإضافة إلى عدم التواصل الاجتماعي بينه وبين الأطفال من حوله وعدم التجاوب مع الأخصائيين .
لقد كنت أهتم به وبحالته ليس فقط من أجل مساعدتة ولكن لمساعدة نفسي أيضا في ترميم بعض الكسور التي كان لم أثر بداخلي منذ طفولتي عندما فقدت أبي وأمي في ذلك الحادث الذي لم أنساه حتي الآن وكذلك مشهد وفاتهم أمامي لقد ذقت هذا المرارة من قبل وأعلم جيدا ما يشعر به وكان عندي اليقين بأن ألامه أضعاف ماشعرت به بسبب بشاعة ما أخبروني به عن حياته.
أخذت اتعلق به واتقرب منه يوما بعد يوم وشهرا تلو الآخر إلى أن كسبت ثقته وطمأنتة بوجودي بجانبه وعدم تركه وبدأت أشاهد حالته تتحسن بالتدريج وكنت في غاية سعادتي لقد كنت اتحسن أنا أيضاً وأرمم الشقوق التي كانت بداخلي فترات علاجه وانعقاد جلسات الدعم النفسي معه لكن الأهم أني
وكنان تعلما الدرس معا أن من يُبتلي هو المختار وكل مميز حسب قدرته على تجاوز الإبتلاء أنت مميز يا كنان و تركت الدار ولم أترك كنان الذي أدرك قراره ونجح في اختباره ونجحت معه حصلت على الدكتوراة و تفوق كنان على نفسه وتخرج وعمل مهندس بحري وتعلمنا معا أن من رحم المحنة رحمة ومنحة فقط .... كن كنان .